جدول المحتويات:
بداية الحياة أشرقت بوجودك يا أمي
أمي، بقدومك أضاءت الدنيا وأشرقت. أتذكر كلمات جدتي وهي تصف كيف أن الحياة أصبحت أكثر جمالاً وتوهجاً بقدومك. نورك وصل إلى قلب أبي، الذي هام عشقاً بجمال عينيكِ. لم يمضِ وقت طويل حتى أخذك من بين أحضان والديكِ، ومن زهرة حبكما وُلدت أنا. ارتويت من حنانك منذ نعومة أظفاري، وأغدقتِ عليّ بالحب والحنان، فصرت مفتوناً بالحياة معكِ. لا شيء يقوي عزيمتي إلا وجودكِ بجانبي، في البيت عند عودتي، حاملاً كتبي ودفاتري.
كبرت يا أمي، وأنا أحمل معي أحلامي وطموحاتي، متمنياً حياة سعيدة خالية من العقبات والدموع. عاماً بعد عام، وفي قلبي غصة تزداد كلما كبرت، لم أعرف لها تفسيراً، ولا أريد شيئاً من الماضي إلا أن تبقي بجانبي، ويحفظك الله لي. يا حبيبتي ونبض قلبي، يوم ميلادك أضاءت حياتي وحياة كل من عرفك. لا أطلب من ربي سوى أن يبقيكِ ما حييت.
رحيلك يا أمي.. انطفاء نور الحياة
ما أصعب الحياة بدونك يا أمي! لا أستطيع مواجهة صعابها بقلب قوي. قلبي أصبح هشاً وضعيفاً، لا يقوى على الصمود في وجه تقلبات الزمن. في عتمة الليالي، أصوات تعوي من حولي، وظلام دامس يحيط بالمكان، وفي قلبي غصة لا أكاد أخفيها. انطفأت لذة الحياة في قلبي برحيلك يا أمي، ولم أعد أبالي بمن يأتي أو يذهب، فكلهم زائلون. بعدك، لم يعد يعنيني البقاء.
فليغادروا جميعهم دون سؤال، فقد غادرتني أمي حبيبتي، وأنا لا أملك طاقة ولا احتمال. كل ما أتمناه في هذه الدنيا أن تمضي الأيام وتنتهي الأحلام، ويرحل الناس إلى مثواهم الأخير، بمن فيهم أنا، لألحق بك يا أمي. كنت أدعو الله دائماً أن لا يصيبك مكروه، لأنني أخشى أن أرى الدمع يجري على خديكِ. ولكن الآن، لا شيء يعنيني، لا أحد يثنيني عن المسير في درب الألم إلى النهاية، نهاية الحياة التي ما عادت حياة، ولا أقوى على مجابهتها وأنت بعيدة.
قلبي يا أمي.. مملوء بالشوق والحنين
يملؤني الشوق يا أمي لحضنك الدافئ، كما يملؤني الحنين لرموشك الغائبة عن عالمي. هل تعلمين يا أمي أن الحنين إليكِ وإلى ذكرياتي معكِ يقتلني؟ عالمي كئيب يا أمي، ولا شيء معي إلا الذكريات الغائبة التي لا أقوى على تذكرها. أخاف أن أذكرها فلا أقوى على المزيد من الحزن والألم. حبي وشوقي لك يزداد عاماً بعد عام، ويوماً بعد يوم.
حزني عليكِ يا أمي يتجدد كل يوم، ويعيد إلى قلبي تلك الذكرى الأليمة، يوم جاءنا الخبر الأكيد بأنكِ ودعتِ الدنيا، وما عادت أنفاسكِ توقظني في الصباح. لم أكن أصحو إلا على صوت خطواتكِ خلف الباب، حتى تأتين إلى غرفتي وتتحسسين وجهي، وتخبريني بأن الصبح قد أتى، وأن هذا يوم جديد. على الرغم من أنني كنت أكون مستيقظاً وخيوط الشمس الذهبية تداعب وجهي، إلا أنني كنت أتظاهر بالنوم كي تتحسس يداكِ الناعمتين وجهي وتوقظني كل يوم.
يا أمي.. ذكرياتك ترن في أعماقي
آه يا لوعة الذكريات التي تقرع أبواب قلبي في مدن أحزاني الفارغة، التي لا تسكنها سوى الوحشة ولوعة الفراق لأروع ما في حياتي، وهي أمي. لا شيء ينسيني ذكرياتي معكِ، حتى لو فقدت عقلي. لساني يردد اسمكِ كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة، وذاكرتي تردد صوتكِ يناديني في كل مكان. وكلما بدأت في فعل شيء جديد، سمعت صوتكِ يدفعني أو يثنيني عن المسير.
يا رب هذا هو البلاء، أن أرى كل شيء حولي، صوتكِ، قلبكِ، همساتكِ، لمساتكِ، كلماتكِ، إلا أنتِ، لا ضمة، لا قبلة، لا لمسة حقيقية. كل ما في عالمي مجرد ذكريات ما برحت تغادر المكان، إلا وجعلت قلبي يدوّي من شدة الشوق والعذاب. أمي، يحار العقل كيف يصفكِ، ويحار القلب كيف يرضيكِ، وأنتِ بعيدة عن عالمي، ولا شيء معي إلا ذكراكِ الغالية ودمعاتكِ الحانية التي كنتِ تذرفينها حولي كلما أصابني المرض أو أبحرت في عالم الألم.
يا أمي.. يداي تشتاق للمسة حنانك
إنني حائر يا أمي، ماذا أفعل بيديّ اللتين تشتاقان كل يوم للمسك ولمسة حنانك، ولملامسة خصلات شعركِ. كل تفاصيل أيامي معكِ يا أمي ما زالت محفورة في ذاكرتي. كلما استيقظت صباحاً مددت يدي نحو السماء، علّني أرى يديكِ ممدودتين نحوي لتأخذاني نحو عالمكِ الشريد. كم رجوتكِ يا أمي بأن لا تتعبي نفسكِ في حرارة الشمس أو برد الشتاء و ظلمة الليالي. كنتِ تخيطين لي ثوباً جميلاً، وتنشرين الملابس المغسولة والأمطار تجلد ظهركِ، وكنت أرى الدفء في عينيك رغم كل ذلك. ومرة كنت أراك تجوبين الأراضي بحثاً عن القوت لنا.
كنتِ تجذبينني نحو والدي الحبيب، ذلك الخباز في نهاية الحي القديم، تعجنين الطحين وخواتمكِ الذهبية تبرق كجمال الكون، فتخلعينها حتى تتمي عملكِ الذي ما فارقته منذ آلاف السنين. يا حباً لا يهدأ، يا قلباً لا يزال ينبض في داخلي. آه وألف آه يا من كنتِ مهجة الروح وفرحة الحياة. إنني لا أريد ذكرى، وإنما أريد الأيام الخوالي أن تعود، وأنتِ معها دون فراق. عودي وأيقظي الفرح في قلوبنا، وتعالي نصلي وندعو الله أن يزيل الهم عن بلاد المسلمين، اللهم آمين يا رب العالمين.