أصول فن الموشحات الأندلسية

استكشاف جذور فن الموشحات، أهميته، وتطوره في الأندلس، مع مناقشة الآراء المتباينة حول أصوله ونشوئه.
محتويات
بداية فن الموشحات
جذور الموشحات: نظرات متباينة
دوافع ظهور هذا الفن الرائع
المصادر والمراجع

بداية فن الموشحات

يُعدّ القرن الثالث الهجري بمثابة مهد نشأة فن الموشحات في الأندلس. وكما هو الحال مع أي فنّ جديد، فإنّ بدايات الموشحات لم تكن واضحة المعالم، مما صعّب تحديد منشئه الأول أو تاريخ ظهوره بدقة. فقد أشار ابن بسام إلى محمد بن محمود القبري كأول من ابتكر هذا الفن، بينما ذكر ابن خلدون أن مقدم بن معافي الفريري هو المُبتكر، وذلك خلال عهد الأمير عبد الله بن محمد المرواني. [1, 2]

يتفق معظم مؤرخي الأدب على أن أهل الأندلس هم السبّاقون في ابتكار هذا الفن، وقد وضعوا قواعده وأسسه، ممهدين الطريق للأجيال اللاحقة. فقد شهد الشعر الأندلسي ازدهاراً كبيراً، بدأ بتقليد شعراء المشرق، ثمّ تطور إلى إبداعات مميزة في وصف طبيعة الأندلس. وقد أدّى هذا التطور إلى ظهور أساليب جديدة، دفعت الشعراء الأندلسيين إلى التجديد والتحرر من الأوزان الشعرية القديمة، التي لم تعد قادرة على التعبير عن مشاعرهم القوية، فكان الموشح هذا الفنّ الجديد الذي أجاب على هذه الحاجة. [3]

جذور الموشحات: نظرات متباينة

حظي أصل الموشح باهتمام كبير من الباحثين، فكل من درس هذا الفنّ تطرّق إلى نشأته وأصوله. وقد تباينت آراء الباحثين العرب والمستشرقين حول هذه النقطة، مما أدى إلى ظهور اتجاهات مختلفة، دعم كل منها بمنهجه الخاص و أدلته. ومن أهمّ هذه الاتجاهات: [4]

الاتجاه الأعجمي: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الموشح جاء تقليداً للشعر الأوروبي القديم الذي عرفه الإسبان قبل قدوم العرب، وأنّه استقى عناصره الرئيسية من المقطوعات الغنائية الشعبية الإسبانية. وقد استندوا في رأيهم على ما يلي:

  • الخرجات الأعجمية في بعض الموشحات، التي تعتبر تقليداً للغناء الشعبي الإسباني.
  • خروج معظم الموشحات عن أوزان القصيدة العربية التقليدية (أوزان الخليل بن أحمد)، واتباعها لأوزان الشعر الأوروبي القديم.
  • تغزل النساء بالرجال، وهو ما يخالف التقاليد العربية التقليدية.

الاتجاه المشرقي: يرى هذا الاتجاه أن الموشحات نشأت في الشرق، مستنداً على ما يلي:

  • محاولات في المشرق العربي للخروج على وحدة الوزن والقافية، مثل فن التسميط في العصر الجاهلي، الذي يُنسب إلى امرؤ القيس، ويُعتبر بداية لظهور الموشح في المشرق.
  • نسْب بعض الباحثين الموشحة الشهيرة “أيها الساقي” إلى ابن المعتز، وهو شاعر عباسي توفي عام 295هـ، مما يُعتبر دليلاً على نشأة الموشح في المشرق قبل الأندلس.
  • انتشار الغناء والموسيقى في المشرق قبل الأندلس، مع العلم أن زرياب قد أحدث نقلة نوعية في الموسيقى الأندلسية.

الاتجاه الأندلسي: يؤكد هذا التيار أن الموشح نشأ في الأندلس، وأنّ الأندلسيين هم من ابتكروه، وتميّزوا فيه عن المشارقة، مُقدمين أدلةً عديدة، منها:

  • أقوال باحثي الشعر العربي التي تشير إلى استقلال شعراء الأندلس بهذا الفن.
  • ملاءمة الطبيعة الأندلسية التي حَفّزت الشعراء على الإبداع والتميّز في هذا الفن.
  • تأثر الشعراء الأندلسيين بالغناء الإسباني.
  • وصول الغناء المشرقي إلى الأندلس عن طريق زرياب وتأثيره على الشعراء المحليين.

دوافع ظهور هذا الفن الرائع

تمتعت الأندلس بطبيعة خلابة ساهمت بشكل كبير في ظهور فن الموشح، بالإضافة إلى انتشار واسع للغناء واللهو في مجالس الحكام والأمراء وحتى عامة الناس. وقد عكس هذا الانتشار شخصية الأندلسيّ الفنية، واستقلاليته الأدبية، كما عكست رخاء وترف البيئة الأندلسية. [5]

أثر هذا الازدهار الفنيّ بشكل كبير في الشعر والشعراء، خاصةً بعد مجيء زرياب ونشره لفنه. يبدو أن أهل الأندلس شعروا بجمود القصيدة العربية التقليدية مقارنةً بالألحان الجديدة المتجددة، مما أدى إلى الحاجة الملحة لفنّ شعريّ جديد يتميّز بتنوع الأوزان وتعدد القوافي، ويتناسب مع الموسيقى والغناء المتنوعة. [6]

بالإضافة إلى ذلك، برزت ظاهرة اجتماعية تمثّلت في اختلاط الشعبين العربي والإسباني، مما أدى إلى ظهور شعب جديد، وانعكس ذلك على اللغة، فقد تكونت الموشحات من العربية الفصحى، باستثناء الخرجة التي استخدمت العامية الأندلسية. [5]

المصادر والمراجع

[1] كوثر كريم (2002)، البناء الفني للموشح: النشأة والتطوير، العراق: جامعة الكوفة – كلية التربية للبنات – قسم اللغة العربية، صفحة 5. بتصرّف.

[2] الأستاذ عيسى سلمان درويش المعموري (19/12/2016)، “نشأة الموشحات”، uobabylon.edu، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.

[3] د. عبد الفتاح كاك (2015)، الموشحات الأندلسية: نشأة وتطوير، تأثير وتأثر، صفحة 8-9. بتصرّف.

[4] نميش أسماء (2015-2016)، الموشحات والأزجال وأثرها في الأدب الأوروبي القديم: شعر التروبادور أنموذجاً، الجزائر: جامعة جيلالي ليابس/ سيدي بلعباس، صفحة 36-51. بتصرّف.

[5] أبد. عبد الفتاح كاك (2015)، الموشحات الأندلسية: نشأة وتطور، تأثير وتأثر، صفحة 20. بتصرّف.

[6] الدكتور أحمد هيكل (1985)، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، مصر: دار المعارف، صفحة 143. بتصرّف.

Total
0
Shares
المقال السابق

سيرة النبي الكريم في مكة والبادية

المقال التالي

مهد الفلسفة: رحلة عبر الزمان والمكان

مقالات مشابهة