تمهيد
يعتبر الكلام عند علماء اللغة هو اللفظ الذي يحمل معنى كاملاً ومفيدًا، بحيث لا يحتاج المستمع إلى إضافة أو توضيح لفهمه. الجملة، في نظر أغلب النحويين، هي مرادف للكلام. ففي قولنا “إذا اجتهد الطالب نجح”، “إذا اجتهد الطالب” تعتبر جملة لأنها تتكون من تركيب لفظي، لكنها ليست كلامًا كاملاً لأنها تتطلب تتمة لفهم المعنى.
الأصل أن الجمل لا يكون لها موقع إعرابي، كما ذكر ذلك العديد من العلماء. ولكن، في بعض الحالات، قد يكون للجملة موقع إعرابي عندما تحل محل الاسم المفرد.
درس العلماء الجمل التي ليس لها موقع إعرابي في اللغة العربية الفصحى، ووجدوا أنها تندرج تحت سبعة أنواع رئيسية. أما الجمل التي لها موقع إعرابي، فهي أنواع أكثر تفصيلاً، حيث تحل محل المفرد وتعرب إعرابه. سنستعرض هنا الأنواع التسعة الرئيسية من الجمل التي تمتلك موقعًا إعرابيًا.
أشكال الجمل ذات الموقع الإعرابي
هناك عدة أشكال للجمل التي تحتل موقعًا إعرابيًا، حيث تحل محل الاسم المفرد وتقوم بوظيفته في الجملة. فيما يلي عرض لهذه الأشكال:
- الجملة التي تقع في موقع رفع الخبر.
- الجملة التي تقع في موقع الصفة.
- الجملة التي تقع في موقع نصب الحال.
- الجملة التي تقع في موقع نصب المفعول به.
- الجملة التي تقع في موقع جواب الشرط الجازم.
- الجملة التي تقع في موقع المضاف إليه.
- الجملة المعطوفة.
- جملة خبر إنّ وأخواتها.
- جملة خبر كان وأخواتها.
الجملة في موقع رفع الخبر
تتكون الجملة الاسمية من مبتدأ وخبر، والخبر هو الجزء الذي يكمل معنى الجملة. الأصل في الخبر أن يكون مفردًا ومرفوعًا، كما في قوله تعالى: “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” (سورة النساء، الآية 128). كلمة “خير” هنا هي الخبر، وهي مفردة. لكن الخبر قد يأتي أيضًا في صورة جملة.
قد تكون هذه الجملة اسمية، كما في قوله تعالى: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ۖ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (سورة الأنفال، الآية 75). فالجملة الاسمية “بعضهم أَوْلى ببعض” في محل رفع خبر المبتدأ “أولو”. وقد تكون الجملة فعلية، كما في قوله تعالى: “اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ” (سورة الشورى، الآية 13). فالجملة الفعلية “يجتبي” في محل رفع خبر المبتدأ “الله”. يجب أن تحتوي الجملة الفعلية (الخبر) على رابط يربطها بالمبتدأ، مثل الضمير. سواء كانت الجملة اسمية أو فعلية، فإنها تحل محل الخبر وتأخذ حكمه.
الجملة في موقع الصفة
تأتي هذه الجملة بعد اسم نكرة لتخصيصه أو إضافة تخصيص إليه، وتأخذ الحكم الإعرابي للاسم النكرة. يجب أن تحتوي الجملة على ضمير يعود على الاسم النكرة، مثل قوله تعالى: “وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۚ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا” (سورة الإسراء، الآية 93). الجملة الفعلية “نقرؤه” جاءت بعد النكرة المنصوبة “كتابًا”، لذا فهي في محل نصب. وقوله تعالى: “فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ۖ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا” (سورة الكهف، الآية 77). الجملة الفعلية “استطعما” جاءت بعد النكرة المجرورة “قرية”، لذا فهي في محل جر. ومثال آخر، قوله تعالى: “اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۚ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ” (سورة الشورى، الآية 47). الجملة الاسمية “لا مرد له” جاءت بعد النكرة المرفوعة “يومٌ”، لذا فهي في محل رفع.
الجملة في موقع نصب الحال
الأصل في الحال أن يكون منصوبًا ويوضح هيئة صاحبه، وينطبق الأمر ذاته على الجمل التي تأتي في محل نصب حال. مثال ذلك قوله تعالى: “وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ” (سورة يوسف، الآية 16). الجملة الفعلية “يبكون” في محل نصب حال من الواو التي هي فاعل “جاءوا”. ومثال آخر قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا” (سورة النساء، الآية 43). الجملة الاسمية “وأنتم سكارى” في محل نصب حال.
الجملة في موقع نصب المفعول به
عرفها النحاة بأنها الجمل التي تكون محكية بالقول، أو ما يرادف القول دون حرف تفسير. وهذا النوع من الجمل يأتي على عدة أشكال:
- المحكية بالقول: إذا ورد اللفظ مع استبقاء صورته الأصلية، مثل قوله تعالى: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” (سورة مريم، الآية 30). الجملة “إني عبد الله” في محل نصب مفعول به.
- المحكية بما رادف القول: إذا وردت بعد المفعول الأول في باب ظنّ، أو المفعول الثاني لفعل من أفعال القلوب أو التحويل، مثل قولنا: ظننت عامرًا يكتب. فالجملة الفعلية “يكتب” في محل نصب مفعول به. وبعد المفعول الثاني من أفعال القلوب، كقولنا: أعلمتُ خالدًا زيدًا جدُّه مريض. فالجملة الاسمية “جده مريض” في محل نصب مفعول به. وبعد المفعول الثاني لفعل من أفعال التحويل، كقوله تعالى: “وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ ۖ فَبِذُنُوبِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ” (سورة الأنعام، الآية 6).
الجملة في موقع جواب الشرط
هي الجمل التي تكون جوابًا لأسلوب شرط بأداة جازمة، ولا يمكن أن تكون جملة شرط نفسها، مثل قوله تعالى: “وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ” (سورة التوبة، الآية 58). الجملة “إذا هم يسخطون” في محل جزم جواب الشرط، وهي مقترنة بـ “إذا” الفجائية.
أما النوع الثاني، فهو الجملة المقترنة بالفاء بعد فعل الشرط، مثل قوله تعالى: “مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا” (سورة الأعراف، الآية 186). الجملة “فلا هادي له” في محل جزم جواب الشرط.
الجملة في موقع المضاف إليه
تأتي هذه الجمل بعد الكلمات التي تكون مضافة، مثل قوله تعالى: “يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ” (سورة التوبة، الآية 35). الجملة الفعلية “يحمى” في محل جر مضاف إليه. ومثال الجملة الاسمية قوله تعالى: “يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ” (سورة الذاريات، الآية 13). الجملة الاسمية “هم على النار يفتنون” في محل جر مضاف إليه.
كذلك الجمل التي تأتي بعد “إذ، حيث، بينا، بينما”، تكون في محل جر مضاف إليه، مثل قوله تعالى: “إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ” (سورة الذاريات، الآية 25). الجملة “دخلوا” في محل جر مضاف إليه. وقوله تعالى: “أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ” (سورة الطلاق، الآية 6). الجملة “سكنتم” في محل جر مضاف إليه.
الجملة المعطوفة
هي الجملة التي تعطف على جملة سابقة، فتأخذ نفس موقعها الإعرابي. مثال ذلك قوله تعالى: “أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ” (سورة الملك، الآية 19). الجملة “يقبضن” في محل نصب لأنها معطوفة على “صافَّات”. ومثال آخر قوله تعالى: “وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ” (سورة الأعراف، الآية 4). الجملة “هم قائلون” في محل نصب لأنها معطوفة على “بياتًا”.
جملة خبر إنّ وأخواتها
تكون دائمًا في محل رفع، وقد تأتي جملة اسمية، مثل: إن سلمى أبوها مسافر. الجملة الاسمية “أبوها مسافر” في محل رفع خبر إن. وقد تأتي جملة فعلية، مثل قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ” (سورة البقرة، الآية 67). الجملة الفعلية “يأمركم” في محل رفع خبر إن. وقوله تعالى:”إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” (سورة البقرة، الآية 120). فالجملة الاسمية “هو الهدى” في محل رفع خبر إن.
جملة خبر كان وأخواتها
تكون دائمًا في محل نصب، وقد تأتي جملة اسمية، مثل: كان الطالب معلمه شديد. فالجملة الاسمية “معلمه شديد” في محل نصب خبر كان. وقد تأتي جملة فعلية، مثل قوله تعالى: “وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” (سورة البقرة، الآية 10). الجملة الفعلية “يكذبون” في محل نصب خبر كان. وقوله تعالى:”وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ” (سورة الأنبياء، الآية 74). فالجملة الفعلية “تعمل الخبائث” في محل نصب خبر كان.
أمثلة توضيحية للجمل ذات الموقع الإعرابي
فيما يلي بعض الأمثلة على الجمل التي لها موقع إعرابي:
-
مثال على الجملة الخبرية:
نحن حبسنا الحي: الجملة الفعلية “حبسنا الحي” في محل رفع خبر المبتدأ.
-
مثال على الجملة التي تقع خبرا لمبتدأ مؤخر:
أولئك مأواهم النار: الجملة الاسمية “مأواهم النار” في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
-
مثال على الجملة المحكية بالقول:
فقلنا لها قد عزمنا الرحيلا: الجملة الفعلية “عزمنا الرحيل” في محل نصب مفعول به، مقول القول.
-
مثال على الجملة الحالية:
والأبطال تجتلد: الجملة الاسمية “الأبطال تجتلد” في محل نصب حال.
-
مثال على الجملة التي تقع خبرا لمبتدأ:
الله يشكرها: الجملة الفعلية “يشكرها” في محل رفع خبر المبتدأ.
-
مثال على الجملة المضافة إليه:
يوم نحشرهم جميعًا: الجملة الفعلية “نحشرهم” في محل جر مضاف إليه.
-
مثال على الجملة الناسخة:
بما كانوا يكذبون: الجملة الفعلية “يكذبون” في محل نصب خبر كان.
-
مثال على الجملة الوصفية:
رأيت طفلًايحفظ القرآنالكريم: الجملة الفعلية “يحفظ القرآن” في محل نصب نعت.
-
مثال على الجملة المعطوفة:
الرجال يعملون ويتعبون: الجملة الفعلية “يتعبون” في محل رفع لكونها معطوفة على الخبر “يعملون”.