أسس الفقه الكبرى: نظرة شاملة

استكشاف أسس الفقه الكبرى: تعريفها، أهمية فهمها، مصادر استنباطها، ودورها في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها العملية.

مقدمة حول الأسس الفقهية الكبرى

تعتبر الأسس الفقهية الكبرى من الركائز الأساسية التي يقوم عليها الفقه الإسلامي. فهي بمثابة المبادئ العامة التي تهدي الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها على مختلف القضايا والمستجدات. هذه الأسس ليست مجرد قواعد نظرية، بل هي أدوات عملية تساعد على فهم الشريعة الإسلامية بشكل أعمق وأكثر شمولية.

توضيح مفهوم الأسس الفقهية

لفهم أهمية هذه الأسس، يجب أولاً تحديد معناها بدقة. يمكن تعريفها لغوياً واصطلاحياً على النحو التالي:

  • في اللغة: الأساس الذي يقوم عليه الشيء.
  • في الاصطلاح الفقهي: هي عبارة عن قاعدة عامة تندرج تحتها العديد من الفروع والمسائل الفقهية المختلفة. تمثل هذه القاعدة جوهر الحكم الشرعي في تلك المسائل، وتوجه الفقيه في كيفية التعامل معها. ويمكن تعريفها أيضاً بأنها أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية، تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحتها.

الأهمية الكامنة في دراسة الأسس الفقهية

دراسة هذه الأسس الفقهية تحمل في طياتها فوائد جمة، منها:

  • تيسير استيعاب المسائل الفقهية المختلفة واستذكارها بسهولة وفاعلية.
  • المساهمة في تنظيم الفروع الفقهية وجمعها في إطار محدد يحفظها من التشتت والضياع.
  • تقديم حلول شرعية للمستجدات والقضايا المعاصرة التي تواجه المسلمين في حياتهم اليومية.
  • تمنح الفقيه القدرة على إعمال فكره واستنباط الأحكام الشرعية الصحيحة في المسائل التي لا يوجد فيها نص صريح.

المصادر التي تستقى منها الأسس الفقهية

تستمد الأسس الفقهية قوتها ومصداقيتها من مصادر الشريعة الإسلامية الأساسية، وهي:

  • القرآن الكريم: فالعديد من الأسس الفقهية مستنبطة بشكل مباشر من آيات القرآن الكريم.
  • السنة النبوية الشريفة: الأحاديث النبوية تمثل مصدراً هاماً للأسس الفقهية، حيث تتضمن توجيهات نبوية عامة يمكن تطبيقها على العديد من المسائل.
  • مقاصد الشريعة الإسلامية: وهي الغايات والأهداف التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها، مثل حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

على سبيل المثال، قاعدة “الأعمال بالنيات” مستنبطة من الحديث النبوي الشريف، وقاعدة “لا ضرر ولا ضرار” مأخوذة من السنة النبوية، وقاعدة “المسلمون على شروطهم” ترتكز على مفهوم الوفاء بالعقود والمواثيق في الشريعة الإسلامية.

نظرة على الأسس الخمسة الأساسية

تعتبر الأسس الخمسة التالية من أهم وأبرز الأسس الفقهية الكبرى:

الأعمال بالنيات

أصل هذه القاعدة حديث: “إنما الأعمال بالنيات”، والمراد بها أنَّ الحكم الَّذِي يَتَرَتَّب على أَمر يكون على مُقْتَضى الْمَقْصُود من ذَلِك الْأَمر. ومن تطبيقاتها:

اللّقطَة؛ فَإِن التقطها ملتقط بنية حفظهَا لمَالِكهَا كَانَت أَمَانَة لَا تُضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي، وَإِن التقطها بنية أَخذهَا لنَفسِهِ كَانَ فِي حكم الْغَاصِب، فَيضمن إِذا تلفت فِي يَده بِأَيّ صُورَة كَانَ تلفهَا.

اليقين لا يزول بالشك

اليقين لغة: العلم الذي لا شك فيه، واصطلاحا: الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق للْوَاقِع الثَّابِت، والشَّكّ: هو التَّرَدُّد بَين النقيضين بِلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر. ومن تطبيقات هذه القاعدة:

أنّ الإنسان إذا كان متطهرا، ثم شكّ في الحدث، فإنه يبني على اليقين، ألا وهوالطهارة، ولا يلتفت لهذا الشك، فإنّ اليقين لا يزول بالشك.

لا ضرر ولا ضرار

أصل هذه القاعدة حديث صحيح بهذا اللفظ، ومعناها: لا يجوز شرعاً لأحد أَن يُلْحق ضَرَرا بنفسه وَلَا ضِرَارًا بغيره. ومن تطبيقاتها:

حبس الموسر الذي يمتنع عن الإنفاق على أولاده، لأنه يوقع الضرر بهم.

العادة محكمة

أصل هَذِه الْقَاعِدَة قَول ابْن مَسْعُود- رَضِي الله عَنهُ-: ” مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن، وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ قبيحاً فَهُوَ عِنْد الله قَبِيح. ومعناها أَنَّ الْعَادة عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة تجْعَل حكما لإِثْبَات حكم شَرْعِي لم ينص على خِلَافه بِخُصُوصِهِ، فَلَو لم يرد نَص يُخَالِفهَا أصلا، أَو ورد وَلَكِن عَاما، فَإِن الْعَادة تعْتَبر. ومن تطبيقاتها:

اعْتِبَار الْكَيْل أَو الْوَزْن فِيمَا تعورف كَيْله أَو وَزنه مِمَّا لَا نَص فِيهِ من الْأَمْوَال الربوية كالزيتون وَغَيره.

الضرورات تبيح المحظورات

أصل هذه القاعدة مأخوذ من قوله -تعالى-: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

ومعنى الضرورة: الحاجة الشديدة، والمحظور هو المحرم شرعاً، ومعنى القاعدة أنَّ الممنوع شرعاً يُباح عند الضرورة. ومن تطبيقات هذه القاعدة:

إباحة أكل الميتة عند الإشراف على الهلاك.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

مبادئ الفقه الأساسية: نظرة شاملة

المقال التالي

إرشادات وقواعد الصف الافتراضي للتعليم عن بعد

مقالات مشابهة