تمهيد حول الخطبة
الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، والصلاة والسلام على خير الأنام، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الكرام. نحمد الله الذي جعل لنا في ديننا يسرًا، وفتح لنا أبوابًا للتقرب إليه في كل حين. نحمده سبحانه الذي جعل لنا مواسم للخير، نغتنمها لنجدد إيماننا ونزكي نفوسنا.
إننا نستعين بالله وحده ونسأله المغفرة، ونتوب إليه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين. نحمد الله الذي أنعم علينا بشهر رمضان المبارك، وجعل فيه من العبادات ما يريح قلوبنا ويسمو بأرواحنا. ومن هذه العبادات الجليلة صلاة التراويح، التي تقربنا إلى الله زلفى وترفعنا درجات.
توصيات بتقوى الله
أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، فهي خير زاد ليوم المعاد. إن التقوى هي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وقد أعد الله الجنة لعباده المتقين. يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).
وأحذركم ونفسي من معصية الله ومخالفة أوامره، فإن عذاب الله شديد. يقول سبحانه وتعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). فاستمسكوا بكتاب الله وسنة نبيه، واعملوا بهما تفوزوا وتسعدوا.
القسم الأول من الخطبة
يا أمة الإسلام، جعل الله شهر رمضان فرصة سانحة للمسلمين للإقبال على التوبة الصادقة، واستغلال لياليه المباركة في الطاعات والقربات. شهر رمضان هو ميدان للتنافس في الخيرات، والمسارعة إلى نيل المغفرة والرضوان. وقد خص الله هذا الشهر بصلاة التراويح، التي تعتبر من السنن المؤكدة في لياليه الفاضلة.
لقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى التراويح بالمسلمين ثلاث ليالٍ، ثم امتنع عن ذلك خشية أن تُفرض عليهم، فيعجزوا عنها. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (خَشِيتُ أنْ تُفْتَرَضَ علَيْكُم، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والأمْرُ علَى ذلكَ).
اعلموا -يا عباد الله- أن صلاة التراويح من شعائر الإسلام العظيمة، وقد أجمع العلماء على سنيتها وفضلها. وقد وردت في فضلها أحاديث كثيرة، منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غيرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فيه بعَزِيمَةٍ، فيَقولُ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
لقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- التراويح جماعة مع الصحابة، واستمر الأمر على ذلك إلى حين وفاته. ثم صلى الصحابة فرادى، حتى جمعهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خلف إمام واحد، لتكون صلاة الجماعة كما كانت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يا عباد الرحمن، لصلاة التراويح فضل عظيم وثواب جزيل، فاحرصوا عليها وأدوها جماعة على أكمل وجه. واعلموا أن عدد ركعاتها ليس محدداً، فيمكن أن تصلى ركعتين أو أربع أو ثمان، ولكن الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا).
يبدأ وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء، والأفضل أن تكون بعد سنة العشاء، ويمتد وقتها إلى طلوع الفجر الثاني. وإذا فاتتك صلاة التراويح فلا تقضها، لأنها ليست من الفرائض.
يشرع للمسلم أن يصلي التراويح في كل ليلة من ليالي رمضان، فإذا فعل ذلك فقد نال فضلها وثوابها. وقد خص الله شهر رمضان بالصيام والقيام، فالصيام تطهير للبدن وتزكية للنفس، والقيام مناجاة لله وتقرب إليه، فيزيد الإيمان ويصفو القلب وينال العبد الطمأنينة. فأوصيكم بصلاة التراويح لما فيها من فضل عظيم وخير عميم.
القسم الثاني من الخطبة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه. الحمد لله حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. عباد الله، أذكركم ونفسي بفضائل شهر رمضان الكريم، وبما فيه من خيرات وبركات.
أحثكم على الاجتهاد في الطاعات، والإكثار من النوافل والسنن، فإنها ترفع الدرجات وتمحو السيئات. صلاة التراويح فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب والفوز برضا الله في الدنيا والآخرة. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ). فصلوا وسلموا على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدعاء
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالًا إلا هديته، ولا ميتًا إلا رحمته.
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار في هذا الشهر الكريم، وأعنا على صيامه وقيامه وتلاوة القرآن. اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وتقبل منا صالح الأعمال. اللهم أدخلنا الجنة برحمتك، وأجرنا من النار بعفوك. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر
- سورة الحج، آية:1-2
- سورة الحشر، آية:7
- الموسوعة الفقهية الكويتية
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2012، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:759، صحيح.
- الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1147، صحيح.
- الفقه الإسلامي وأدلته
- مشروعية صلاة التراويح”،نداء الإيمان
- موقع الإسلام سؤال وجواب
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2024، صحيح.