أسرار فريضة الصلاة وأبعادها

استكشاف الأبعاد الدينية والدنيوية لفريضة الصلاة في الإسلام، وأهميتها ومكانتها، وأنواع الصلوات المفروضة.

الحِكم الكامنة في فريضة الصلاة

لقد اختصّ الله سبحانه وتعالى هذه الأمة المحمدية بعبادة الصلاة، بل فرضها على جميع الأنبياء والمرسلين، كما جاء في قول إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءِ﴾. إنّ هذه الفريضة لم تُشرع إلا لِما فيها من حِكم جليلة، بعضها ظاهر لنا، والآخر ممّا استأثر الله بعلمه.

الأبعاد الدنيوية لتشريع الصلاة

تتجلّى الحِكم الدنيوية للصلاة في جوانب عدّة، منها:

  • تهذيب النفس: تعمل الصلاة على تصفية النفس من شوائب المادة، وتعزيز العلاقات الإنسانية القائمة على الإيثار والمحبة، مما يُسهم في بناء مجتمع سليم. فالنفس البشرية التي لا تجد صلة بخالقها، تشعر بالضياع والوحدة، ممّا قد يدفعها إلى سلوكيات خاطئة كاليأس والإدمان والإعراض عن ذكر الله.
  • تيسير الأمور وجلب الرزق: تعتبر الصلاة سببًا لتفريج الهموم، وتوسعة الرزق، وتحقيق الراحة والطمأنينة، ودفع الخوف والقلق، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ* فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ﴾. وهي أيضًا طريق لتحقيق السعادة والنجاح في هذه الحياة.

الأبعاد الدينية لتشريع الصلاة

تزخر الصلاة بحِكم دينية جمّة، منها:

  • الارتباط بالله والفوز بالجنة: الصلاة هي الصلة المباشرة بين العبد وربه، وهي السبيل إلى السعادة الأبدية والفوز بالجنة، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَـئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
  • النور يوم القيامة: تمنح الصلاة صاحبها نورًا ساطعًا يوم القيامة، يهتدي به في ظلمات ذلك اليوم، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
  • تكفير الذنوب والخطايا: تعمل الصلاة على تطهير القلب من أدران المعاصي والذنوب، فعن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:(الصلواتُ الخمسُ كفارةٌ لمَّا بينَهُما ثُمَّ قال رسولُ اللهِ: أرأيْتَ لَوْ أنَّ رجلًا كان يعتملُ، و كان بين منزلِه و بين مُعْتَمَلِه خمسَةُ أنهارٍ، فإِذَا أتى مُعْتَمَلهُ عمل فيهِ ما شاءَ اللهُ، فأصابَ الوسخُ أوْ العَرَقُ، فَكلَّما مَرَّ بِنَهَرٍ اغتسلَ ما كان ذلكَ يُبْقِي من دَرَنِهِ؟ فكذلكَ الصلاةُ، كلمَّا عملَ خَطِيئَةً فدعَا واستغفرَ، غُفِرَ لهُ ما كان قبلَها).
  • غرس الفضائل: تغرس الصلاة الفضائل والقيم النبيلة في النفس، وتُبعدها عن كل ما يُغضب الله، وتُعمّق شعور العبد بفضل الله عليه، ممّا يدفعه إلى حمده وشكره.
  • الامتثال لأمر الله: الصلاة هي استجابة لأمر الله في خلق الإنس والجن لعبادته، وهي تعبير عن الشكر والاعتراف بفضله، والاستسلام لإرادته، والتوجه إليه وحده دون شريك، ممّا يوافق الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
  • جوهر الدين: تحتوي الصلاة على جوهر أحكام الدين وقواعده، فهي عمود الإسلام، وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة.

منزلة الصلاة في الإسلام

احتلت الصلاة مكانة عظيمة في الإسلام، فهي الركن الثاني من أركانه بعد الشهادتين، كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ). فهي عمود الدين الذي يقوم عليه، وأول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، وتجب على المسلم في جميع أحواله حتى الموت. بصلاحها يصلح العمل كله، وبفسادها يفسد العمل كله، وهي آخر ما أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته.

وتتجلى مكانة الصلاة في الإسلام في النقاط التالية:

  • سبب الفلاح والنجاة: الالتزام بالصلاة هو مفتاح الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة، وهي حلقة الوصل بين العبد وخالقه.
  • التأكيد المتكرر في القرآن: تكرر ذكر الصلاة في مواضع عديدة في القرآن الكريم، تأكيدًا على أهميتها ومكانتها كعمود للدين.
  • تكفير الذنوب: تعمل الصلاة على محو الذنوب والخطايا، ما لم تكن من الكبائر.

الصلوات المكتوبة

لا تجب الصلوات الخمس على المسلم إلا بدخول وقتها المحدد، ووقت كل صلاة كالتالي:

  • صلاة الظهر: تبدأ من زوال الشمس عن منتصف السماء حتى يصير ظل الشيء مساويًا لطوله.
  • صلاة العصر: تبدأ من نهاية وقت الظهر حتى تبدأ الشمس بالاصفرار.
  • صلاة المغرب: تبدأ من غروب الشمس حتى يزول الشفق الأحمر من السماء.
  • صلاة العشاء: تبدأ من زوال الشفق الأحمر حتى منتصف الليل.
  • صلاة الفجر: تبدأ من طلوع الفجر الصادق حتى طلوع الشمس.

فعن طلحة بن عُبيد الله -رضيَ الله عنه- قال:(جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا هو يَسْأَلُهُ عَنِ الإسْلَامِ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ).

المراجع

  1. القرآن الكريم، سورة إبراهيم ، آية:40.
  2. مجموعة من المؤلفين ،فتاوى الشبكة الإسلامية.
  3. حسين المهدي ،صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال.
  4. القرآن الكريم، سورة الحجر ، آية:97-98.
  5. القرآن الكريم، سورة المؤمنون ، آية:9-11.
  6. القرآن الكريم، سورة الحديد ، آية:12.
  7. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أبي سعيد الخدري .
  8. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،مجلة البحوث الإسلامية.
  9. رواه البخاري، في البخاري، عن عبد الله بن عمر.
  10. مجموعة من المؤلفين (1427)،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 1).
  11. عبد الله الرسي،دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي.
  12. أحمد حطيبة ،شرح الترغيب والترهيب للمنذرى.
  13. عبد الرحمن السعدي (2000)،إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقة بأقرب الطرق وأيسر الأسباب(الطبعة 1).
  14. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن طلحة بن عبيد الله .
Total
0
Shares
المقال السابق

الأبعاد الروحانية والاجتماعية للحج والعمرة

المقال التالي

مقاصد تشريع الأعياد في الإسلام

مقالات مشابهة