الأسباب الكامنة وراء تكرار قصة موسى
إن المتأمل في آيات القرآن الكريم يلاحظ أن الله عز وجل قد ذكر قصة النبي موسى -عليه السلام- في مواضع متعددة من السور والآيات القرآنية. تم سرد أجزاء من قصته منذ ولادته في سور مختلفة، فتارة نجد جزءاً منها في سورة البقرة، والأعراف، والقصص، وطه، والنمل، والشعراء، وغيرها من السور. من المؤكد أن هذا التكرار ليس محض صدفة، بل تكمن وراءه حكمة بالغة، وفيما يلي توضيح لتلك الحكمة:
- إبراز إعجاز القرآن الكريم: يتجلى ذلك في عرض القصة في أكثر من موضع، وفي كل مرة بسياق فريد وصياغة مختلفة، مما يجذب القارئ ويثير اهتمامه، دون أن يشعر بالملل من التكرار. يتم تكرار القصة في كل مرة بذكر جزء منها يتماشى مع السورة التي وردت فيها، مما يؤكد عظمة القرآن الكريم وبلاغة ألفاظه، بحيث يستحيل أن يكون من تأليف بشر.
- التشابه بين القصتين: وجود تقارب كبير بين قصة موسى -عليه السلام- وقصة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتشابه بين شريعتيهما، وتشابه بين أقوامهما. جاءت قصة موسى -عليه السلام- مكررة في القرآن الكريم لتكون سلوى للنبي -عليه الصلاة والسلام- وتواسيه في مواجهة قومه.
- عبرة وعظة: قصة موسى -عليه السلام- مع الطاغية فرعون تعتبر من أعظم القصص والعبر التي يجب تكرارها وترسيخها في ذهن المؤمن؛ فهي مثال بارز على صراع الحق مع الباطل، وأن الباطل والجبروت لا يدومان، وأن فرعون بلغ أقصى درجات الكفر والجحود، ولكن الله -تعالى- نصر الحق على الباطل.
الدروس المستفادة من قصة موسى
تعتبر قصة موسى -عليه السلام- قصة زاخرة بالعبر والدروس التي يستفيد منها المسلم في حياته. فيما يلي بعض هذه الفوائد:
- الاطمئنان برعاية الله: التأكد من أن الله -تعالى- يحيط أولياءه الصالحين بكامل اللطف والعناية، وذلك من خلال حفظ الله لموسى في النهر وإعادته إلى أمه لترضعه.
- الاعتبار بقصص الأمم السابقة: ذكر قصص الأمم السابقة للاعتبار وتبشير المؤمنين بنصر الله، كما قال تعالى: ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: 3].
- التحرر من الذل: ضرورة تخلص المسلمين من الذل والقهر، والنهوض بالأمة، وعدم الرضا بأن تكون أمتهم أمة مستضعفة. عندما تخلص بنو إسرائيل من كسلهم، خلصهم الله -تعالى- من الطاغية فرعون.
- الثبات عند المصائب: تثبيت العبد عند المصائب والمحن هو نعمة لا يمنحها الله -تعالى- إلا للمؤمن، كما ثبت موسى عند مواجهته لفرعون.
- الأخذ بالأسباب: الأخذ بالأسباب لا يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، ولذلك كانت أم موسى -عليه السلام- تتبع ابنها مع إيمانها بتحقيق وعد الله برد ابنها إليها.
الأهداف من ذكر القصص في القرآن
تعرض آيات القرآن الكريم العديد من القصص للأنبياء والرسل وللأمم السابقة لتحقيق أهداف ذات أهمية كبيرة، وفيما يلي توضيح لتلك الأهداف:
- تخفيف معاناة النبي: تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- وتثبيت فؤاده بما حدث للأنبياء والمرسلين مع أقوامهم.
- العبرة للمخالفين: الاعتبار للمعاندين والمخالفين الذين ساروا على نهج الأمم المكذبة، حتى لا يحل بهم ما حل بمن سبقهم من العذاب والهلاك.
