الغاية من تحريم الربا
لقد قام الله سبحانه وتعالى بتحريم الربا وذلك لعدة أسباب جوهرية، تتجلى فيها رحمته وعدله وحكمته في تنظيم شؤون عباده، ومن هذه الأسباب:
الربا يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل: يعتبر الربا شكلاً من أشكال الاستيلاء على أموال الآخرين دون وجه حق أو مقابل عادل. فزيادة المال عن طريق الربا دون بذل جهد أو تقديم خدمة حقيقية هو ظلم بيّن. فبيع الدرهم بالدرهمين فيه زيادة من غير وجه حق، ومال المسلم له حرمته. قال -عليه الصلاة والسلام-:
“فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَيْكُم دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا.”
الربا يعيق الإنتاج والعمل الجاد: عندما يعتمد الأفراد على الربا لتحقيق الثراء السريع، فإنهم يبتعدون عن العمل المنتج والمفيد للمجتمع. فالشخص الذي يستطيع الحصول على المال بسهولة عن طريق الربا قد لا يشعر بالحاجة إلى العمل الشاق أو الاستثمار في المشاريع النافعة، مما يضر بالاقتصاد والمجتمع ككل. إذا تمكن صاحب المال من تحصيل أموال زائدة عن طريق الربا، فإنه يكسل عن العمل ويكره التجارة والصناعات.
الربا يقضي على روح التعاون والإحسان بين الناس: يؤدي الربا إلى انقطاع المعروف بين الناس، لأنه يزيد من أعباء المحتاجين ويثقل كاهلهم بالديون، دون أن يعود عليهم ذلك بالنفع الحقيقي. ويزيد مال المرابي من غير نفع يعود على أخيه.
المرابي يتصف بالقسوة والجشع: الربا يقسي القلوب ويجعل الإنسان أنانياً لا يفكر إلا في مصلحته الخاصة. فالمرابي لا يتردد في استغلال حاجة الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية، ولا يبالي بالضرر الذي قد يلحق بهم نتيجة لذلك. فالربا يقتل كل مشاعر الشفقة في الإنسان، ولا يتردد المرابي في تجريد المدين من أمواله.
الربا استغلال لحاجة الفقراء: غالبًا ما يكون المقرض غنيًا والمقترض فقيرًا، وتجويز الربا يعطي الغني فرصة لاستغلال حاجة الفقير وأخذ المزيد من ماله، وهذا يتنافى مع العدل والرحمة. وإنّ القول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائداً، وذلك غير جائز برحمة الرحيم.
التحريم تعبد لله: حرمة الربا قد ثبتت بالنص، ولا يجب أن يكون حِكَم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة عقد الربا.
الآيات القرآنية الدالة على تحريم الربا
وردت في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تؤكد على تحريم الربا، وتبين خطورته وعواقبه الوخيمة، ومن هذه الآيات:
قوله تعالى: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (البقرة: 275). هذه الآية تبين مآل أكلة الربا وسوء عاقبتهم.
قوله تعالى: “وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” (النساء: 161). هذه الآية تذكر أن أخذ الربا هو أكل لأموال الناس بالباطل.
الأحاديث النبوية الشريفة في تحريم الربا
وردت في السنة النبوية المطهرة العديد من الأحاديث التي تحذر من الربا، وتبين خطورته وعواقبه الوخيمة، ومن هذه الأحاديث:
عن أبي جحيفة رضي الله عنه: “أنَّهُ اشْتَرَى غُلامًا حَجَّامًا، فقالَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن ثَمَنِ الدَّمِ، وثَمَنِ الكَلْبِ، وكَسْبِ البَغِيِّ، ولَعَنَ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ، والواشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ والمُصَوِّرَ.”
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ.”