فهم أسباب تفاوت الرزق بين البشر
خلق الله -تعالى- الإنسان، وكفل رزقه من المهد إلى اللحد، وأقسم بأنه لن تموت نفس حتى تستوفي كامل رزقها المكتوب لها. يجب على المسلم أن يؤمن إيماناً جازماً بأن الرزق بيد الله وحده، لا شريك له، وأنّ الناس عبيد لله، وليس لأحدٍ أن يتحكم في رزق الآخر. فقدّر الله تعالى الرزق لكل إنسان وهو نطفة في بطن أمه. لكن يبقى التساؤل عن حكمة تفاوت الأرزاق بين الناس في الحياة الدنيا؟ [١]
الحكمة الإلهية في اختلاف الأرزاق
لله -تعالى- حكم بالغة في تفاوت الأرزاق بين عباده، وغاية في تقديره لتوزيعها. جعل الله الغني والفقير لخدمة مصالح العباد والبلاد. بعضهم يرزق بسعة، وبعضهم بضيق، ليتبادلوا العطاء، فمنهم من يتصدق على من هو أقل منه حظاً. الله -تعالى- عليم بأحوال عباده، وماذا يفعلون لو بسط لهم الرزق أو منع عنهم. يقول تعالى: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).[٢]
الاختبار الإلهي من خلال الرزق
الله -تعالى- عليم بعباده، بأحوالهم، بأمورهم، بتصرفاتهم، وأفعالهم. يعلم من لا يملك قوت يومه، ومن يملك قوت سنته. وذلك لا يكون إلا لاختبار الإنسان وابتلائه في كلا الحالين، ليرى هل يصبر الفقير؟ وهل يشكر الغني؟ [٣]
حكم متنوعة في تفاوت النعم
لحكمة إلهية في إنعام الله على عباده بالنعم، وتفاوتهم في الأرزاق. وإليك بعض ما نعلمه من هذه الحكم: [٤]
سببٌ للاستمرار في الحياة
لو كان الناس على مستوى واحد من الرزق -أي جميعهم أغنياء وأصحاء- لما استمرت الحياة، لما قامت قائمة. التسوية في الرزق قد تُوقف عجلة الحياة. لو كان الجميع أطباء أو مهندسين، فمن يخلصنا من القمامة؟ ومن يخيط ثيابنا؟ ومن يعلم أبناءنا؟ ومن يحمي ممتلكاتنا؟ فالتفاوت في الرزق ضروري لاستمرار الحياة كما أرادها الله.
الابتلاء والاختبار
من أسباب تفاوت الرزق، الاختبار والابتلاء. لينظر الله من يشكره ومن يكفره. يُمد الله الغني بالمال لاختباره، ليرى هل يدوم شكره لهذه النعمة؟ وهل ينفقها في وجوه الخير؟ أم يكفر النعمة؟
وقد يمنع الله الرزق عن بعض عباده لاختبارهم، ليرى هل يصبر الفقير؟ هل يحمد الله على ما لديه من نعم أخرى؟ أم يدفعه فقره إلى السرقة أو غيرها؟ أم يكون من المحتسبين عند الله؟ كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-:(عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).[٥]
منع البغي والطغيان
لله -تعالى- حكمة عظيمة في بسط الرزق ومنعه. فمن الناس من لو بسط الله له الرزق لبغي في الأرض وتجبّر. يقول تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).[٦]
الله -تعالى- أعلم بما في أنفس عباده. ومن يظن أن الغنى من إكرام الله، والفقر من إهانته، فهو مخطئ. قال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ).[٧]
وقال تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً).[٨]
فكم من صاحب مهنة بسيطة، حمد الله على رزقه، وهو عند الله أفضل من صاحب مال وجاه لم يشكر الله على نعمه.