من هم أهل الكتاب؟
يُطلق مصطلح أهل الكتاب في الشريعة الإسلامية على اليهود والنصارى. وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم، حيث وصفهم الله عز وجل بأنهم أصحاب كتابين سماويين أُنزلا عليهم، وهما التوراة التي أُنزلت على النبي موسى -عليه السلام-، والإنجيل الذي أُنزِل على النبي عيسى -عليه السلام-.
وقد خصّت الشريعة الإسلامية أهل الكتاب بأحكام تختلف عن الأحكام المتعلقة بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى. ومن هذه الأحكام، إباحة الزواج من نسائهم العفيفات المحصنات، بالإضافة إلى جواز تناول الأطعمة التي ذبحوها وفقًا لشريعتهم.
أهمية وثيقة المدينة
اتسم تعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أهل الكتاب بالحكمة والعدل. فبالإضافة إلى دعوتهم إلى دين الإسلام، حرص النبي على صون حقوقهم وعدم ظلمهم. وعندما هاجر النبي إلى المدينة المنورة، وضع أسسًا للتعايش السلمي بين المسلمين واليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة. وقد تجسدت هذه الأسس في وثيقة المدينة، التي تضمنت بنودًا مهمة، منها:
- الحق في الحياة: لم يعتدِ النبي أو الصحابة على أي يهودي لم يرتكب جرمًا يستحق العقاب. أما من خان العهد أو تآمر على المسلمين، فقد نال جزاءه العادل.
- حرية الدين: لم يجبر النبي أي يهودي على الدخول في الإسلام، بل ترك لهم حرية اختيار الدين الذي يرونه مناسبًا.
- الحق في الملكية: احترم النبي حقوق اليهود في ممتلكاتهم، ولم يصادر أموالهم أو ممتلكاتهم بأي شكل من الأشكال.
- الحماية والدفاع: تعهد الرسول بحماية اليهود المقيمين في المدينة، تمامًا كما يحمي المسلمين، على أن يتعاون الطرفان في الدفاع عن المدينة ضد أي عدوان خارجي.
- العدل ورفع الظلم: عامل النبي اليهود بالعدل والمساواة، ولم يسمح بظلمهم حتى لو كان الظلم صادرًا من أحد المسلمين. بل كان ينصفهم حتى على نفسه.
- الضوابط الأمنية: منع النبي أي نشاط عسكري خارج المدينة دون إذنه، وذلك حفاظًا على الأمن والاستقرار.
- السلطة المرجعية: تم الاتفاق على أن تكون السلطة العليا في المدينة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليتم الرجوع إليه في حل النزاعات والفصل في القضايا.
كيفية تعامل النبي مع اليهود
لقد تجلت سماحة الإسلام في تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع جميع الناس، بمن فيهم اليهود. ومن مظاهر هذا التعامل الحسن:
- زيارة المرضى: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعود مرضاهم ويتفقدهم. فقد ورد عن أنس بن مالك أن غلامًا يهوديًا كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض الغلام، فذهب إليه النبي لزيارته وعرض عليه الإسلام. فنظر الغلام إلى أبيه، فأشار إليه أبوه بأن يطيع أبا القاسم فأسلم الغلام، ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: الحمد لله الذي أنقذه من النار.
- قبول الهدية: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية من اليهود ولا يردها. فقد ورد عن عبد الرحمن بن عوف أن امرأة يهودية أهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة، فأكل منها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يردها حتى نزل الوحي يخبره بأنها مسمومة.
- العفو والصفح: تجلى عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواقف كثيرة، منها عفوه عن اليهود الذين كانوا يقولون له: “السام عليك” بدلًا من “السلام عليك”، وذلك حرصًا منه على تأليف قلوبهم ودعوتهم إلى الإسلام.
- المعاملات المالية: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعامل مع اليهود في الأمور المالية، فيشتري منهم ويتداين منهم. حتى إنه عندما توفي كانت درعه مرهونة عند يهودي.
- التواضع: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- متواضعًا مع جميع الناس، فكيف لا يكون متواضعًا مع أعداء الإسلام الذين كان يرجو هدايتهم؟
كما جاء في صحيح البخاري: (كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ).
كما ورد في الحديث: (كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يقبَلُ الهديَّةَ، ولا يأكلُ الصَّدقةَ، زادَ فأهدت لهُ يهوديَّةٌ بخيبرَ شاةً مَصليَّةً سمَّتْها؛ فأكلَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- منها وأكلَ القومُ فقالَ ارفعوا أيديَكُم فإنَّها أخبرتني أنَّها مسمومةٌ.(فماتَ بِشرُ بنُ البراءِ بنِ معرورٍ الأنصاريُّ؛ فأرسلَ إلى اليهوديَّةِ: ما حملكِ على الَّذي صنعتِ؟ قالت: إن كنتَ نبيًّا لم يضرَّكَ الَّذي صنعتُ، وإن كنتَ ملِكًا أرحتُ النَّاسَ منكَ).
كيف كان تعامل النبي مع النصارى
أعطى الإسلام النصارى الحق في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ولم يجبرهم على الدخول في الإسلام. وعقد النبي -صلى الله عليه وسلم- معاهدات معهم، مثل معاهدة نجران ومعاهدة نصارى جرباء وأذرح، والتي ضمنت لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم.
كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقر بفضائل بعضهم، كما فعل مع النجاشي ملك الحبشة، حيث طلب من أصحابه الهجرة إلى بلاده طلبًا للحماية والنصرة، وأخبرهم بأنه ملك عادل لا يظلم أحدًا.
المصادر والمراجع
- [جامعة المدينة العالمية]،أصول الدعوة وطرقها 2، صفحة 283. بتصرّف.
- [اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء]،فتاوى اللجنة الدائمة، صفحة 442. بتصرّف.
- [مجموعة من المؤلفين]،نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 269-270. بتصرّف.
- [الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]،شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، صفحة 333. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1356 ، صحيح.
- رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم:4512، حسن صحيح.
- [صالح الجعفري]،تخجيل من حرف التوراة والإنجيل، صفحة 771. بتصرّف.
- [سعيد بن وهف القحطاني]،فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، صفحة 516. بتصرّف.
- [ابن تيمية]،قاعدة تتضمن ذكر ملابس النبي وسلاحه ودوابه، صفحة 22. بتصرّف.
- [عائض القرني]،دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 12. بتصرّف.
- [عبد العظيم المطعني]،سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله، صفحة 167. بتصرّف.
- [مجموعة من المؤلفين]،مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 1964. بتصرّف.