أساليب الحكم والإدارة والديوان في العصر العباسي الأول

نظرة على أساليب الحكم والإدارة في فترة العصر العباسي الأول. استعراض شامل للدواوين وأنواعها. دور الوزارات وأثر انتقال مركز الحكم إلى بغداد.

الأسس الإدارية في العصر العباسي الأول

تأثر الخلفاء العباسيون بشكل واضح بالحضارة الفارسية الساسانية، وهو ما انعكس بصورة كبيرة على طبيعة النظام الإداري للدولة العباسية. من أبرز السمات التي ميزت هذه المرحلة هي الاهتمام بالتنظيم في شتى المجالات.

القضاء: شهد القضاء في هذه الحقبة تطورًا ملحوظًا، حيث تميز بالتنظيم العالي والحيادية والفاعلية في تسيير الأمور. كان القضاء متوافقًا مع التطورات الحياتية المختلفة ومستفيدًا منها، مع الحفاظ على الأسس التي تم وضعها منذ العهد النبوي.

الولاة: اتسم النظام الإداري في العصر العباسي الأول بالمركزية الشديدة. لم يكن للولاة سلطة مطلقة في المناطق التي يحكمونها، وكان يتم اختيارهم في بداية الدولة بناءً على قربهم من الخليفة أو مكانتهم كقادة كبار.

نظام الدواوين في العصر العباسي الأول

اعتمد الخلفاء العباسيون بشكل كبير على النظام الفارسي في إنشاء الدواوين، وذلك بهدف تنظيم جمع الأموال وحصرها وإدارتها. كان لكل ولاية ديوان خاص بالخراج، يتولى مسؤوليته موظف كبير يقوم بجمع أموال الزكاة وغيرها من الموارد، ثم يقوم بتوزيعها على المشاريع والاحتياجات المحلية، وإرسال الفائض إلى بغداد، حيث يوجد ديوان مركزي لكل ولاية.

كانت هذه الدواوين مجتمعة تعرف باسم ديوان الزمام أو بيت المال. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك ديوان الجند الذي يختص بإحصاء الجنود وصرف رواتبهم. وقد عين السفاح خالد بن برمك مسؤولاً عن بيت المال وديوان الجند. ومن بين الدواوين الأخرى:

  • ديوان الخلافة: يهتم بشؤون الخليفة ومصاريفه الشخصية.
  • ديوان الرسائل: يصدر رسائل الخليفة الرسمية، وقد ساهم بشكل كبير في تطوير فن النثر العربي.
  • ديوان الخاتم: يختص بختم الرسائل الرسمية الصادرة عن الدولة.
  • ديوان التوقيع: يتولى الرد على الرسائل الواردة إلى الخليفة أو القادة، وقد استوحى الخلفاء هذه العادة من ملوك الفرس الذين كانوا يوقعون على الرسائل بعبارات موجزة وبليغة.
  • ديوان الخبر: وهو ديوان كبير يتولى جمع الأخبار والمعلومات من مختلف أنحاء الدولة، ويعمل فيه عدد كبير من الموظفين تحت إشراف شخص يدعى صاحب الخبر.

دور الوزارات في العصر العباسي الأول

كانت كلمة “الوزير” في العصر العباسي الأول تعني المستشار المقرب الذي يعاون الخليفة في إدارة شؤون الدولة. كان أغلب الوزراء من أصول فارسية. أول وزير في العصر العباسي كان أبو سلمة الخلال، الذي اختاره السفاح. بعد وفاته، تولى خالد بن برمك المنصب، وكان له ابن اسمه يحيى، تولى ولاية أذربيجان.

عندما تولى المهدي الخلافة، عيّن يحيى كاتبًا ومستشارًا لابنه هارون. وعندما أراد الهادي عزل هارون الرشيد، نصحه يحيى بعدم القيام بذلك، مما جعل له مكانة كبيرة عند هارون. فقربه منه وجعل خاتم الخلافة في يده، وولى ابنه الفضل المشرق الإسلامي، وولى ابنه جعفر المغرب الإسلامي، ونهض يحيى بشؤون المشرق.

أما جعفر فبقي بجوار هارون؛ لأنه كان لا يطيق مفارقته. وقد طبع البرامكة الدولة العباسية بصبغة فارسية خالصة، واستمروا على هذا مدة سبعة عشر عامًا، وظلوا على هذا حتى نكب بهم الرشيد. أما في عهد المأمون فقد تسلمت الوزارة عائلة بني سهل ذات الأصل الفارسي وأولهم الفضل بن سهل الملقب بذى الرياستين رياسة السيف والقلم.

تأثير انتقال مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد

أدى انتقال مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد في العصر العباسي على يد الجيوش الخراسانية، ذات الأصول الفارسية، إلى ترسيخ الطابع الفارسي في الدولة، سواء في الأمور السياسية أو الإدارية.

هذا الأمر لم يكن جديدًا على الخلافة الإسلامية، فقد أنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدواوين مستوحيًا الفكرة من بلاد فارس، واستعان بالفرس الذين كانوا يتمتعون بخبرة في هذا المجال، والذين أسلموا. وفي عهد عبد الملك بن مروان، تم تعريب الدواوين بشكل كامل. أما في الدولة العباسية، فقد انتقلت الحياة الفارسية بكل تفاصيلها إلى أروقة الحكم والسياسة.

© 2024 جميع الحقوق محفوظة

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

فكر سان سيمون الوضعي: تحليل وتقييم

المقال التالي

توصيف الصفات في سورة التوبة

مقالات مشابهة