جدول المحتويات
جوانب من تعامل الرسول مع العاملين
سنستعرض فيما يلي بعض الجوانب المضيئة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع من يعملون لديه:
المعاملة الطيبة للخدم
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعامل العاملين معه بأفضل الأخلاق، فكان يقابل الإحسان بالثناء والتقدير. وإذا أخطأ أحدهم، كان صلى الله عليه وسلم ليناً ورحيماً. روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:(ما ضربَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، خادمًا، ولا امرأةً قطُّ).
ويحكي أنس بن مالك -رضي الله عنه-:(خدمتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء لم أفعلْهُ: ألا كنتَ فعلتَه؟ ولا لشيٍء فعلتُه: لِمَ فعلتَه)، وكان يوصي أصحابه باللطف بهم، والصفح عنهم، وتجنب إيذائهم.
المساواة بين العامل والأخ
لقد ساوى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين العامل وأخيه، وحث على ذلك بقوله:(إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ).
إن الله تعالى قد يختبر الإنسان بموقعه في الحياة، فيجعل هذا عاملاً وذاك سيداً، وقد تتغير الأحوال. لذلك، وضع الإسلام ضوابط للمعاملة تجعل السيد يعامل عامله كأخيه، فيطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، ويعينه على ذلك.
جعل العتق كفارة الإيذاء
جعل الإسلام عتق الرقبة كفارة لمن يضرب عامله. فقد ضرب أبو مسعود الأنصاري خادماً له، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ينبهه إلى أن الله أقدر عليه من هذا الخادم. فخاف أبو مسعود وأعتق الخادم لوجه الله تعالى. وبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو لم يعتقه لمسته النار. وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهج، وجعل الكفارة هي العتق.
اللين في القول
لم يقتصر الرفق على الأفعال، بل شمل الأقوال أيضاً. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مناداة العامل بـ “عبدي” أو “أمتي”، وأمر بمناداته بـ “غلامي” أو “فتاي”. وقد شمل النبي صلى الله عليه وسلم العاملين بوصيته عند الموت، فقال:(الصَّلاةَ وما ملكت أيمانُكم، الصَّلاةَ وما مَلَكت أيمانُكم).
وتروي عائشة -رضي الله عنها-:(ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ).
نهج الصحابة في المعاملة
تأثر الصحابة الكرام بهذا الهدي النبوي، وانعكس ذلك على تعاملهم مع من يعملون لديهم. فمنهم من كان يصعب التفريق بينه وبين خدمه، لشدة التآلف والتواضع، مثل عبد الرحمن بن عوف. ومنهم من ألبس خادمه من الثياب الفاخرة ما يلبس هو، كأبي ذر الغفاري.
حقوق العامل في الإسلام
للعامل في الإسلام حقوق كثيرة، منها:
- المسارعة إلى دفع الأجرة، مع مراعاة أن تكون متناسبة مع العمل الذي قام به. فالتأخير في دفع الأجرة مع القدرة على ذلك يعتبر ظلماً ومماطلة، والأجرة حق للعامل، والشريعة تأمر بإعطاء كل ذي حق حقه. قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم:(أعْطُوا الأجيرَ أجرَهُ، قبلَ أنْ يجفَّ عرقَه).
- المعاملة الحسنة، وتجنب الإساءة أو الضرب أو الدعاء عليه. فالإحسان إليهم يدفعهم إلى الإخلاص في العمل والوفاء به.
- تكليفه بما يقدر عليه من الأعمال، وتخصيص وقت للراحة له. فحرمانه من الراحة يؤدي إلى استنزاف طاقته وإهلاكه.
- توفير المسكن المناسب، خاصة إذا كان مقيماً مع الأسرة، مع توفير الطعام والشراب والملبس والرعاية الصحية اللازمة. كما يجب غض البصر وتجنب الخلوة بين العامل والمرأة في البيت إن كان ذكراً، والعكس صحيح. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(لا يَخلوَنَّ أحدُكُم بامرأةٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ ثالِثُهُما)، والحرص على الالتزام باللباس الشرعي.
- الإنفاق عليه بالمعروف، وإعانته في قضاء حاجاته بحسب المقدرة، وتعليمه أمور دينه، وإرادة الخير له، والعفو عنه عند الخطأ، وتجنب ذكره بسوء في غيبته.
- مراعاة ظروفهم في شهر رمضان، وتمكينهم من أداء العبادات على الوجه الأكمل.
- الاقتداء برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة الكرام في التعامل معهم، والإحسان إليهم، والرِّفق بهم، ومعاملتهم معاملة الإخوان، من خلال إطعامهم ما يأكل سيّدهم، وإلباسهم ما يلبس، وتكليفهم بالأعمال ضمن مقدرتهم.
أهمية الاقتداء بالنبي
لقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نبراساً وقدوة حسنة للناس كافة، على اختلاف طبائعهم وأجناسهم وظروفهم. فقد كانت سيرته أفضل السير بما حوته من الأخلاق الفاضلة والعادات الحميدة. ويمكن للمسلم أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم في كل حال، سواء كان غنياً أو فقيراً، قوياً أو ضعيفاً، حاكماً أو محكوماً. فسيرته صلى الله عليه وسلم هي منهاج حياة كامل.