فهرس المحتويات
مقدمة
تعتبر خطبة العيد جزءًا هامًا من شعائر هذا اليوم المبارك، حيث يجتمع المسلمون للاستماع إلى الموعظة والتذكير بعد أداء صلاة العيد. وتختلف آراء الفقهاء في بعض التفاصيل المتعلقة بالخطبة، وهذا المقال يسعى إلى توضيح هذه الجوانب.
حكم الاستماع إلى خطبة العيد
الاستماع إلى خطبة العيد هو من الأمور المستحبة في الدين الإسلامي، و يُثاب المسلم على حضورها والإنصات إليها. وهي ليست واجبة بالضرورة، فالأصل فيها هو الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. فقد ورد عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أنه قال:
“شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العيدَ، فلمَّا قضَى الصَّلاةَ قال: إنَّا نخطُبُ، فمَن أحَبَّ أنْ يَجلِسَ للخُطبةِ فلْيَجلِسْ، ومَن أحَبَّ أنْ يَذهَبَ فلْيَذهَبْ”.
هذا الحديث يدل على جواز الانصراف بعد صلاة العيد لمن أراد، دون أن يكون في ذلك إثم.
كيفية أداء خطبة العيد
تأتي خطبة العيد بعد الانتهاء من صلاة العيد. يبدأ الإمام بعد الصلاة باستقبال الناس ثم يلقي خطبتين، على غرار خطبة الجمعة، مع جلسة قصيرة بينهما. يستند هذا إلى ما ورد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه:
“خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يومَ فطرٍ أو أضحَى فخطب قائمًا ثمَّ قعد قَعدةً ثمَّ قام”.
من الأمور الهامة في كيفية أداء خطبة العيد ما يلي:
- البدء بالتكبير: يُستحب افتتاح خطبة العيد بالتكبير، و كذلك التكبير أثناء الخطبة نفسها. هذا يختلف عن خطبة الجمعة التي تبدأ بالحمد لله.
- عدد التكبيرات: يرى جمهور العلماء أن عدد التكبيرات في الخطبة الأولى تسع تكبيرات متتالية، وفي الخطبة الثانية سبع تكبيرات متتالية. بينما يرى المالكية عدم وجود عدد محدد للتكبيرات. وعند الحنفية، يستحب للإمام بعد الانتهاء من الخطبة وقبل النزول من المنبر أن يكبر أربع عشرة تكبيرة.
دعائم خطبة العيد
تتشابه أركان خطبة العيد مع أركان خطبة الجمعة، باستثناء أن خطبة العيد تفتتح بالتكبيرات بينما خطبة الجمعة تبدأ بحمد الله. وفيما يلي تفصيل لأركان خطبة العيد بحسب المذاهب الفقهية:
الرأي الحنفي
يرى الحنفية أن لخطبة العيد ركنًا واحدًا فقط، وهو الذكر المطلق، سواء كان كثيرًا أو قليلًا. وهذا يعني أن المطلوب يتحقق بتحميدة أو تسبيحة أو تهليلة. كما يرون أن الخطبة الثانية للعيد سنة وليست شرطًا.
الرأي المالكي
يرى المالكية أيضًا أن ركن خطبتي العيد واحد، وهو أن تشتمل الخطبة على التذكير والوعظ، سواء كان ذلك بالتحذير أو بالتبشير.
الرأي الحنبلي
يرى الحنابلة أن أركان خطبتي العيد ثلاثة:
- الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم: يشترطون استخدام لفظ الصلاة بالتحديد في الصلاة على النبي.
- قراءة آية من القرآن الكريم: يجب أن تكون الآية مستقلة بذاتها وتحمل معنى واضحًا، وأن تشتمل على حكم من الأحكام.
- التوصية بتقوى الله عز وجل: أما التكبير الذي تفتتح به الخطبة فهو سنة وليس ركنًا.
الرأي الشافعي
يرى الشافعية أن أركان خطبتي العيد أربعة:
- الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجب أن تكون في كلتا الخطبتين، مع اشتراط لفظ الصلاة.
- الوصية بتقوى الله: يجب أن تكون في كلتا الخطبتين، ويمكن استخدام ألفاظ أخرى تفيد نفس المعنى.
- قراءة آية من القرآن الكريم: تكون في خطبة واحدة فقط، والأفضل أن تكون في الخطبة الأولى. يشترط أن تشتمل الآية على وعد أو وعيد أو حكم أو قصة، وأن تكون آية كاملة إذا كانت قصيرة، أو جزء منها إذا كانت طويلة.
- دعاء الخطيب للمؤمنين والمؤمنات: يكون في الخطبة الثانية، وأن يكون الدعاء متعلقًا بأمور الآخرة لا الدنيا، وأن يشمل جميع الحاضرين في نية الخطيب. أما التكبيرات التي تفتتح بها الخطبة فهي سنة وليست ركنًا.
ضوابط خطبة العيد
تختلف شروط خطبتي العيد بحسب كل مذهب، وفيما يلي تفصيل ذلك:
عند المالكية
- يجب أن تكون الخطبتان باللغة العربية، حتى وإن كان الحضور من غير العرب. وإذا لم يوجد من يتقن العربية، تسقط الخطبة.
- يجب أن تكون الخطبتان بعد صلاة العيد، وإذا خطب قبل الصلاة يسن له إعادتها بعد الصلاة إن لم يطل الزمن.
عند الحنفية
- يجب حضور شخص واحد على الأقل ممن تنعقد بهم الجمعة. ويكفي حضوره حتى وإن لم يسمع. ويشترط أن يكون رجلًا، ولو كان مسافرًا أو مريضًا.
- لا يشترط الحنفية أن تكون الخطبة بالعربية، ولا أن تكون بعد الصلاة، ولكن تقديمها يعتبر مخالفة للسنة.
عند الشافعية والحنابلة
يشترط الشافعية والحنابلة شرطين لصحة خطبتي العيد:
- أن يجهر الخطيب بكل أركان الخطبة، بحيث يسمع أربعين شخصًا (وهو العدد الذي تنعقد به الجمعة).
- أن تكون الخطبتان بعد صلاة العيد، وإذا قدمهما على الصلاة لم يعتد بها، ويسن له إعادتهما بعد الصلاة.
الآداب المستحبة في خطبة العيد
من الآداب المستحبة في خطبة العيد ما يلي:
- أن تكون الخطبة مؤلفة من خطبتين، كخطبتي الجمعة.
- أن تكون الخطبتان بعد صلاة العيد.
- أن تفتتح كل من الخطبتين بالتكبيرات.
- تقصير خطبتي العيد وعدم إطالتهما.
- أن تكونا بلغة فصحية مؤثرة ومعبرة.
- أن يقرأ في إحداهما سورة ق.
- أن يدعو الخطيب في الخطبة الثانية للمسلمين ولولاة أمر المسلمين.
- اختتام خطبة العيد الثانية بالاستغفار.
الأمور المكروهة في خطبة العيد
من الأمور المكروهة في خطبة العيد:
- الكلام أثناء الخطبة.
- التأذين من قبل جماعة من الحاضرين أثناء الخطبة.
- الاحتباء (الجلوس على الإليتين مع ضم الفخدين والساقين).
- التفات الإمام في الخطبة الثانية، أو الإشارة باليد، أو الدق على المنبر.
- إعطاء الحاضرين ظهورهم للإمام أثناء الخطبة.
- رفع اليدين أثناء الدعاء في الخطبة.
- تشبيك الأصابع في المسجد.
- العبث واللعب بأي شيء أثناء الخطبة. لقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: “ومَن مَسَّ الحَصَى فقَدْ لَغا”.
- شرب الماء أثناء الخطبة إلا عند شدة العطش.
محتوى خطبة العيد
يتنوع مضمون خطبة العيد بحسب العيد نفسه، وذلك لمخاطبة الناس بما يهمهم وتذكيرهم بالأحكام التي يحتاجونها.
خطبة عيد الفطر
يركز الإمام في خطبة عيد الفطر على حث الحاضرين على أداء زكاة الفطر، وتذكيرهم بحكمها، وعلى من تجب، ووقت وجوبها، وأهميتها.
خطبة عيد الأضحى
يركز الإمام في خطبة عيد الأضحى على الأضاحي، وحكمها، وأهميتها، وفضلها، وكل ما يتعلق بأحكام الأضاحي.
عدد الخطب و وقتها
عدد الخطب
هناك خلاف بين العلماء في عدد الخطب في صلاة العيد:
- الجمهور: يرى جمهور العلماء أن عدد الخطب خطبتين، يفصل بينهما بجلوس، قياسًا على خطبة الجمعة. ويستدلون بحديث: “خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يومَ فطرٍ أو أضحَى فخطب قائمًا ثمَّ قعد قَعدةً ثمَّ قام”.
- البعض: يرى البعض أن الخطبة واحدة فقط، لعدم ورود نص صحيح يدل على وجود خطبتين.
هذا الخلاف ناتج عن عدم وجود نص قاطع في المسألة، لذا يجتهد الإمام في اختيار ما يراه أقرب إلى السنة.
توقيت الخطبة
يكون وقت خطبة العيد بعد الانتهاء من صلاة العيد، خلافًا لخطبة الجمعة التي تسبق الصلاة. ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: “شَهِدْتُ العِيدَ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ”.