مقدمة
تعتبر الخطبة مرحلة هامة تسبق الزواج في الإسلام، وهي بمثابة وعد بالزواج وإعلان الرغبة فيه. تهدف هذه المرحلة إلى إتاحة الفرصة للطرفين للتعرف على بعضهما البعض بشكل أعمق، وتقييم مدى التوافق بينهما قبل اتخاذ قرار الزواج. وسنتناول في هذا المقال مفهوم الخطبة وأحكامها، مع التركيز على مسألة الخطبة على خطبة الآخرين.
توضيح معنى الخطبة
في اللغة العربية، كلمة “الخِطبة” مشتقة من “الخِطاب”، والذي يعني الكلام والتحدث. وقد تشير أيضاً إلى “الخَطْب”، وهو الأمر الجلل والهام. أما في الاصطلاح الشرعي، فالخِطبة تعني تقدم الرجل بطلب الزواج من امرأة، وذلك بإبداء رغبته وإعلام ولي أمرها بتلك الرغبة.
وقد أقر الإسلام مشروعية الخطبة، كما يتضح من القرآن الكريم والسنة النبوية. فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة: 235]. كما ورد في السنة النبوية ما يدل على ذلك، فعن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- قال: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطَبَ عَائِشَةَ إلى أبِي بَكْرٍ، فَقالَ له أبو بَكْرٍ: إنَّما أنَا أخُوكَ، فَقالَ: أنْتَ أخِي في دِينِ اللَّهِ وكِتَابِهِ، وهي لي حَلَالٌ”.
إقرار مشروعية الخطبة
تتجلى الحكمة من إقرار مشروعية الخطبة في كونها خطوة أولية نحو الزواج، تتيح للطرفين التعرف على بعضهما وتقييم مدى التوافق بينهما. هذا التعارف المسبق يساهم في بناء زواج قائم على أسس سليمة من المعرفة والتفاهم المتبادل.
من الجدير بالذكر أن الخطبة لا تترتب عليها أي حقوق أو واجبات شرعية، فالمرأة المخطوبة تظل أجنبية عن الخاطب، ولا يجوز له الخلوة بها أو السفر معها أو النظر إليها بشهوة. فالخطبة ما هي إلا مجرد طلب للزواج، وليست زواجاً قائماً بشروطه وأركانه.
تفصيل حكم الخطبة على خطبة الغير
اتفق العلماء على أنه يشترط لجواز الخطبة ألا تكون المرأة المُراد خطبتها مخطوبة لرجل آخر. وبناءً على ذلك، يحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه بإجماع العلماء، وذلك في حال تمت الموافقة على الخطبة الأولى بشكل صريح، ولم يترك الخاطب الأول الخطبة أو يأذن للخاطب الثاني بالتقدم. وقد استدلوا على ذلك بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لَا يَبِعِ الرَّجُلُ علَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ علَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ له”.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: “ولا يَخْطُبَ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يَأْذَنَ له الخاطِبُ”.
إن الحكمة من تحريم الخطبة على خطبة الآخرين تكمن في منع إلحاق الأذى بالخاطب الأول، وتجنب إثارة الضغينة والعداوة بين المسلمين.
أما في حال لم يتم البت في الخطبة الأولى، وكانت المرأة وولي أمرها في مرحلة المشاورة والتردد، فقد ذهب الحنفية إلى كراهة التقدم بخطبة ثانية، استناداً إلى عموم النهي الوارد في الأحاديث النبوية. بينما ذهب جمهور العلماء إلى إباحة الخطبة الثانية، ما لم يكن الخاطب الثاني على علم بأن غيره قد تقدم لخطبة ذات المرأة. واستدلوا على ذلك بما ورد عن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- أنه قد تقدم لخطبتها ثلاثة رجال: معاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم بن حذافة، وأسامة بن زيد -رضي الله عنهم-، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: “أَبُو جَهْمٍ، فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ له، انْكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ، فَنَكَحْتُهُ”.
المصادر
- سورة البقرة، آية:235
- صحيح البخاري، عن عروة بن الزبير، حديث رقم 5081.
- صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، حديث رقم 1412.
- صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، حديث رقم 5142.
- صحيح مسلم، عن فاطمة بنت قيس، حديث رقم 1480.