مقدمة
تعتبر زيارة القبور من الأمور التي اختلف فيها العلماء، وهي سنة مؤكدة للرجال لما فيها من تذكير بالموت والآخرة، والعبرة من هذه الزيارة هي الإحسان إلى الموتى بالدعاء والاستغفار لهم. وفي هذا المقال، سنتناول الأحكام الشرعية المتعلقة بزيارة القبور، وآدابها، مع بيان أقوال العلماء في هذه المسألة.
حكم زيارة المقابر للرجال
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على استحباب زيارة القبور بالنسبة للرجال، وذلك لما في الزيارة من تذكير بالموت والدار الآخرة، والدعاء للمتوفين. وقد استدلوا على ذلك بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-:
“زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ.”
رأي العلماء في زيارة النساء للمقابر
تباينت آراء العلماء في حكم زيارة القبور بالنسبة للنساء، ويمكن تلخيص هذه الآراء في ثلاثة أقوال:
- الشافعية والحنابلة والمالكية: يرون كراهة زيارة النساء للقبور، مستدلين بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أم عطية نسيبة بنت كعب -رضي الله عنها- أنّها قالت: “نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا”، ويرون أن زيارة القبور من جنس اتباع الجنائز، وبالتالي فالنهي محمول على الكراهة.
- الحنفية: يجيزون زيارة النساء للقبور، مستدلين بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه-: “نَهَيْتُكُمْ عن زِيارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوها”، وهذا النص عام يشمل الرجال والنساء.
- ابن تيمية وابن عثيمين وابن باز: ذهبوا إلى تحريم زيارة النساء للقبور، واستدلوا بحديث رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لَعنَ زوَّاراتِ القبورِ”، ويرون أن النهي هنا يفيد التحريم، إضافة إلى أن المرأة قد تفقد صبرها عند القبور، وقد تفعل ما هو محرم كالندب والنياحة.
حكم الزيارة في أيام العيد
لا يجوز تخصيص أيام العيد لزيارة القبور سواء للرجال أو النساء، وذلك لأن هذا التخصيص يعتبر من البدع المحدثة التي لم يرد بها دليل شرعي. وقد أخرج البخاري في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ”.
حكم زيارة الحائض للمقابر
يجوز للمرأة الحائض زيارة القبور عند العلماء الذين يرون جواز زيارة النساء للقبور، إلا أنه من الأفضل أن تكون المرأة على طهارة كاملة عند الزيارة.
أصول وآداب زيارة القبور
يستحب للمسلم أن يتحلى بآداب معينة عند زيارة القبور، منها:
- السلام على أهل القبور والدعاء لهم، فقد روى بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “السلامُ عليكم أهلَ الدِّيارِ مَِنَ المؤمنينَ والمسلمينَ، وإنَّا إنْ شاء اللهُ بكم لاحِقونَ، نسألُ اللهَ لنا ولكم العافيةَ”.
- عدم المشي أو الجلوس على القبور، فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ علَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيابَهُ، فَتَخْلُصَ إلى جِلْدِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَجْلِسَ علَى قَبْرٍ”.