المحتويات:
مقدمة
يعتبر الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها من أهم المقاصد الشرعية. لذلك، حرص الإسلام على نبذ كل ما يثير الفرقة والخلاف بين المسلمين، وحذر من الوقوع في الفتن التي تؤدي إلى تفكك المجتمع وتضعيفه. في هذا المقال، سنتناول مفهوم الفتنة وأشكالها، بالإضافة إلى بيان الحكم الشرعي في نشر الفتنة بين المسلمين.
توضيح مفهوم الفتنة
الفتنة في اللغة العربية تحمل معاني متعددة، منها الضلال والإثم. يُقال “فُتِنَ الرجل” بمعنى ضلّ عن الطريق المستقيم أو ارتكب إثمًا. ويُطلق لفظ “فاتن” على الشخص الذي يضل غيره أو يوقعه في المعصية، والشيطان يوصف بأنه الفاتن لأنه يسعى لإضلال العباد. وفي سياق آخر، “فُتِنَ الرجل بالنساء” تعني أنه أراد الفجور بهن – والعياذ بالله -.
أما في الاصطلاح الشرعي، فالفتنة تحمل معانٍ أعمق وأشمل. قيل إنها: الاختبار والابتلاء الذي يظهر من خلاله جوهر الإنسان، خيرًا كان أم شرًا. ومثال ذلك قولهم: “فتنت الذهب بالنار” أي عرضته للنار لتمييز الخالص منه من الشوائب. وقيل أيضًا: هي الخلاف والنزاع الذي ينشأ عن التنافس على السلطة أو الملك، والذي يصعب فيه تحديد المحق من المبطل.
التحذير الإسلامي من نشر الفتنة
لقد حذر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أمته من الوقوع في الفتن، وبين أن الابتعاد عنها هو طريق النجاة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ فِتَنٌ، القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا، فَلْيَعُذْ بهِ). وهذا الحديث الشريف يبين أن شر الناس هم من يسعون في إثارة الفتن، ثم يليهم من يباشرونها، والأفضل هو من يتجنبها تمامًا.
صور وأساليب نشر الشر والخلاف
تتعدد صور الفتنة وأساليبها، ومن أبرزها:
- الإرجاف: وهو نشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة بهدف إثارة البلبلة والفتنة بين الناس. وقد لجأ المنافقون إلى هذا الأسلوب في المدينة المنورة زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو محرم لما يسببه من أذى وضرر.
- إشاعة الخلاف: وذلك عن طريق تضخيم الخلافات وتأجيج الصراعات، خاصة تلك التي تنشأ في المنافسة على السلطة. وهذا الأمر يؤدي إلى حيرة الناس وعدم قدرتهم على تمييز الحق من الباطل.
- نشر الفواحش: ويشمل ذلك نشر صور وأخبار الزنا، وتتبع عورات النساء، والخوض في أعراض الناس. وما فعله البعض في حادثة الإفك خير مثال على ذلك، حيث كان دافعهم حب الفتنة.
- النميمة: وهي نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد بينهم وإذكاء نار العداوة والبغضاء. ولا شك أن النمام يسعى إلى إحداث الفتنة والوقيعة بين الأفراد والجماعات.
- الصد عن سبيل الله: وهو منع الناس عن اتباع الحق والهداية. وقد حذر الله تعالى من ذلك بقوله: (وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ). فمن يصد الناس عن سبيل الله فهو فتّان.
الحكم الشرعي في نشر الفتنة
يحرم الإسلام نشر الفتنة بكافة أشكالها وصورها بين الناس. سواء كان ذلك بالمشاركة المباشرة في إثارتها أو بالتسبب فيها. فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة تزخر بالتحذير من الفتن والنهي عن الاقتراب منها. وقد بين العلماء أن إثم الوقوع في الفتنة يتناسب طرديًا مع حجم المشاركة فيها والتورط بها.
والواجب على المسلمين عند وقوع الفتنة هو الإصلاح بين المتخاصمين، وإخماد الشائعات والأخبار الكاذبة التي يثيرها أهل الشر، وتقديم النصح والتوجيه للناس، وبيان الحقائق بأسلوب حكيم وموعظة حسنة.
خلاصة
إن تجنب الفتن والسعي في إخمادها هو واجب شرعي على كل مسلم. فالحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها هو أساس قوتها وعزتها. وعلى المسلمين أن يكونوا على درجة عالية من الوعي والفطنة، وأن يتجنبوا كل ما يثير الفرقة والخلاف، وأن يسعوا جاهدين لنشر المحبة والسلام والتسامح في المجتمع.