أحكام تلاوة القرآن الكريم عبر الهاتف المحمول

الرأي الشرعي في القراءة من الهاتف أثناء الصلاة

تعتمد هذه المسألة بشكل أساسي على مقارنتها بحكم القراءة من المصحف الورقي خلال الصلاة. يوجد رأيان فقهيان أساسيان في هذا الشأن:

رأي جمهور العلماء

يجيز المالكية والشافعية والحنابلة القراءة من المصحف في الصلاة، مع الإشارة إلى أن ذلك مكروه في صلاة الفرض وليس في صلاة النفل. وقد ورد في المجموع للإمام النووي: “لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة كما سبق، ولو قلّب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل، وهذا الذي ذكرناه من أن القراءة في المصحف لا تبطل الصلاة في مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد واحمد قال أبو حنيفة تُبطل”.[١]

تستند هذه الإجازة عند جمهور الفقهاء على الأسباب التالية:

• لا يوجد دليل قاطع على أن الصلاة تبطل بسبب القراءة من المصحف. كما أنه لا يمكن الجزم بأن مجرد حمل المصحف ووضعه يعتبر حركة كثيرة تفسد الصلاة. وقد ورد عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنّه كان يؤمها عبدٌ لها وهو يقرأ من مصحفٍ بين يديه.[٢]
• الكراهة في صلاة الفرض تأتي بسبب الانشغال بحمل المصحف، حيث أن الفريضة أكثر تقييداً من النافلة، بينما يغتفر في النافلة ما لا يغتفر في الفريضة.[٣]

رأي الحنفية

يرى الأحناف عدم جواز القراءة من المصحف في الصلاة، ويعتبرون الصلاة باطلة بسبب ذلك. وقد عللوا هذا الرأي بأمرين:[٤]

• حمل المصحف ووضعه وتقليب صفحاته يتطلب حركات متتالية وكثيرة، وهذا يبطل الصلاة. ولكن إذا كان التقليب للصفحات من الجوال تقليباً يسيراً؛ كحركة إصبع خفيفة كافية فهذا غير مبطل للصلاة اتفاقاً.
• القراءة من المصحف تشبه التلقين، وكأن المصلي يتعلم من معلم يقرأ. وكما أن تعليم المعلم لا يجوز داخل الصلاة، فكذلك القراءة من المصحف. هذه العلة تنطبق على القراءة من الجوال، وبالتالي تبطل الصلاة بقراءة القرآن من الجوال.

القراءة من الجوال خارج أوقات الصلاة: حكمها وفضلها

لا خلاف في أن قراءة القرآن سواء من المصحف أو من الجوال أمر جائز، بل هي عبادة يثاب عليها المسلم. ويرى العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل من قراءته حفظاً عن ظهر قلب، وقد ذكر الإمام النووي -رحمه الله-: “قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب لأنّ النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر”.[٥]

القراءة من المصحف عند توفره تعتبر أفضل وأكثر أجراً لسببين رئيسيين:

• النظر في المصحف والقراءة منه يولد تعظيماً وهيبة في قلب القارئ لا تتوفر في القراءة من الجوال. فالنظر في المصحف والقراءة فيه وحمله أولى من حمل الجوال والقراءة منه.[٦]
• القراءة من المصحف تعتبر من الشعائر الإسلامية الظاهرة.

حكم تلاوة القرآن من الجوال بدون طهارة

اتفقت المذاهب الأربعة على منع المُحدث سواء حدثاً أكبر أو أصغر من مسِّ المصحف، كما قال الإمام النووي في كتاب المنهاج: “ويحرم بالحدث الصلاة والطواف وحمل المصحف ومس ورقه وكذا جلده على الصحيح وخريطة وصندوق فيهما مصحف”.[٧]

إلا أنه لا يجوز قياس القراءة من الجوال على القراءة من المصحف في هذا الأمر، فلا يشترط الوضوء لقراءة القرآن من الجوال، بل يجوز القراءة واللمس حينها.[٨]

أما من كان على جنابة، فإنه لا يجوز له قراءة القرآن لا من المصحف ولا من الجوال ولا عن ظهر قلب حتى يتطهر.[٩]

فيما يخص المرأة الحائض، يرى جمهور العلماء عدم جواز مسها للمصحف ولا حتى تلاوته، قياساً على المُحدث حدثاً أكبر. بينما يرى آخرون جواز قراءة الحائض للقرآن أثناء حيضها، وبذلك يجوز لها القراءة من الجوال ومسه؛ لأنه لا يأخذ حكم المصحف الورقي فلا تُشترط الطهارة عند لمس الجوال.[١٠]

المصادر والمراجع

1. الإمام النووي،المجموع شرح المهذب، صفحة 95. بتصرّف.
2. الإمام ابن قدامة المقدسي،المغني شرح مختصر الخرقي، صفحة 411. بتصرّف.
3. محمد بن أحمد عليش،منح الجليل شرح مختصر خليل، صفحة 345. بتصرّف.
4. علاء الدين الكاساني،بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، صفحة 236. بتصرّف.
5. أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي (1994)،التبيان في آداب حملة القرآن(الطبعة 3)، بيروت:دار ابن حزم، صفحة 100، جزء 1. بتصرّف.
6. عبد الكريم الخضير،شرح مختصر الخرقي، صفحة 1. بتصرّف.
7. الإمام النووي،منهاج الطالبين وعمدة المفتين، صفحة 11. بتصرّف.
8. محمد صالح المنجد ،كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 53. بتصرّف.
9. علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (1986)،بدئاع الصنائع في ترتيب الشرائع(الطبعة 2)، لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 37، جزء 1. بتصرّف.
10. محمد صالح المنجد (7-8-1999)،”قراءة القرآن أثناء الحيض”،الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 30-10-2021. بتصرّف.