مقدمة
العلاقة الزوجية هي رباط مقدس أباح فيه الإسلام للزوجين الاستمتاع ببعضهما البعض ضمن حدود وضوابط شرعية. ومع ذلك، تثار تساؤلات حول بعض الممارسات الحميمة، ومن بينها الجماع من الدبر. يهدف هذا المقال إلى توضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الأمر، مع الاستناد إلى أقوال العلماء والأدلة من الكتاب والسنة.
حكم الجماع في الدبر مع عدم الإنزال
وردت أحاديث نبوية شريفة تنهى عن إتيان الزوجة في الدبر. فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“ملعونٌ من أتى امرأتَهُ في دبرِها”
وقد استخلص العلماء من هذا الحديث وغيره تحريم هذا الفعل، واعتبروه من كبائر الذنوب. كما استدلوا بحديث آخر يؤكد هذا التحريم، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-:
“من أتى كاهِنًا فصدَّقَهُ بما يقولُ أو أتى امرأةً حائضًا أو أتى امرأةً في دُبُرِها فقد برئَ ممَّا أنزلَ اللَّهُ على محمَّدٍ.”
لم يفرق النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث بين الإنزال وعدمه، مما يدل على أن التحريم يشمل كل أنواع الإيلاج في الدبر، سواء تم الإنزال أم لم يتم. فالمنطقة هي منطقة نجسة ومستقذرة.
حكم الوطء في الدبر بدون قصد
إذا وقع الوطء في الدبر بدون قصد أو تعمد، فإن الشرع الإسلامي يرفع الإثم عن الفاعل. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“إنَّ اللهَ -تعالى- وضع عن أُمَّتي الخطأَ، والنسيانَ، وما اسْتُكرِهوا عليه”
وبناءً على ذلك، إذا حدث ذلك عن طريق الخطأ أو عدم الانتباه، فلا يعتبر ذلك إثمًا.
حكم المداعبة في منطقة الدبر دون إيلاج
يرى جمهور العلماء أن ظاهر دبر الزوجة مباح للزوج كبقية جسدها. وبناءً على ذلك، يجوز للزوج الاستمتاع بدبر زوجته ومداعبتها فيه كيفما شاء، بشرط عدم إيلاج الذكر فيه. هذا يعني أن المداعبة الخارجية دون إدخال العضو الذكري لا تعتبر محرمة.
حكم إتيان الزوجة من الخلف
أباح الإسلام للزوج أن يستمتع بزوجته بأي طريقة شاء، ومن أي جهة، ما دام الإيلاج في القبل. وقد استدلوا بقول الله تعالى:
“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”
وقد فسر العلماء هذه الآية بأنها تعني أن للزوج أن يجامع زوجته بالطريقة التي يريدها، سواء كانت مستلقية أو مضطجعة، وسواء كان الجماع من جهة القبل أو الدبر، بشرط أن يكون مكان الإيلاج هو القبل.
وبناءً على ذلك، يمكن القول بأن إتيان الزوج لزوجته من جهة الدبر جائز شرعًا، ما دام إيلاج الذكر سيكون في موضع النسل والحرث، وهو القبل، لا في موضع خروج الغائط والقاذورات، وهو الدبر.
الحكمة من تحريم الوطء في الدبر
تتعدد الحكم وراء تحريم الجماع في الدبر، ومن بينها:
- الدبر هو محل للأذى والقاذورات، وتجنب ذلك من باب النظافة والطهارة.
- إتيان الزوجة من الدبر قد يؤدي إلى انقطاع النسل، وهو خلاف مقصود الشارع في تكثير النسل.
- قد يكون في ذلك تضييع لحق الزوجة في الاستمتاع الكامل، حيث أن الدبر ليس مهيأ للاستمتاع الجنسي.
- الدبر لا يساعد على استخراج المني المحتقن عند الذكر، وقد يسبب ذلك ضررًا للزوج.
خلاصة
في الختام، يجب على الزوجين الالتزام بالضوابط الشرعية في علاقتهما الحميمة، وتجنب كل ما حرمه الله ورسوله. وعلى الرغم من أن الإسلام أباح للزوجين الاستمتاع ببعضهما البعض بطرق متنوعة، إلا أنه وضع حدودًا واضحة يجب احترامها، ومن بينها تحريم إتيان الزوجة في الدبر. فالالتزام بهذه الضوابط يحقق السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية، ويجنب الوقوع في الإثم والمعصية.