أحكام الصيام الزوجية في شهر رمضان

استكشاف الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام للزوجين، بما في ذلك الجماع، التقبيل، نزول المني، والمداعبة.

فقه الصيام وأحكامه على الحياة الزوجية

يُشكل شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة للتقرّب إلى الله عز وجل، ويمثّل الصيام ركيزة أساسية فيه. ولكن، كيف يتعامل الزوجان مع علاقتهما الزوجية خلال هذا الشهر الفضيل؟ هذا ما سنُجيب عليه من خلال استعراض بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام للزوجين.

العلاقة الزوجية خلال شهر رمضان

شرّع الله -تعالى- الزواج وجعل فيه المودة والرحمة بين الزوجين، وهو أساس بناء الأسرة المسلمة. لكن، خلال شهر رمضان، يُوصى الزوجان بالحكمة والاعتدال في تعاملهما، والحرص على تجنّب ما يُمكن أن يُفسد صيامهما. يجوز الجلوس، والمزاح، والتحدث، والتعليم، وغير ذلك من الأفعال التي تُوطّد الروابط الزوجية، مع التجنّب الشديد لكل ما يُثير الشهوة ويؤدي إلى الجماع، كالتقبيل أو الملامسة. إنّ ترك هذه الشهوات تقرّباً لله -سبحانه- يُعدّ من أفضل الأعمال، كما ورد في الحديث القدسيّ: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي الصِّيَامُ لِي، وأَنَا أجْزِي به والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثالِهَا). [١]

أحكام الجماع والصيام

يُحرّم على الصائم جماع زوجته في نهار رمضان؛ لأنّه يُعدّ من مبطلات الصيام، كما جاء في قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). [٣][٤] هذه الآية الكريمة تُبيّن الإذن بالمباشرة ليلاً، مما يُشير إلى أنّ الصيام يُعدّ امتناعاً عن الأكل والشرب والجماع وغيرها من المفطرات. [٥]

تحريم الجماع في نهار رمضان راجع إلى أنّ الصيام يهدف إلى كفّ النفس عن الشهوات، وأنّ الانغماس فيها يُضعف العزيمة على العبادات. الجماع من نعم البدن، ومثلُهُ مثل الأكل والشرب، لهذا حرّمه الله -تعالى- في نهار رمضان، وجعله من المفطرات، مع عقوبة كفارة مغلظة لمن أفسده به. [٥]

من جامع زوجته نهار رمضان عالماً، فقد ارتكب إثماً، وبطل صيامه، ويجب عليه إمساك باقي اليوم وقضاء اليوم مع الكفّارة. كفارة الجماع في نهار رمضان من أغلظ الكفارات، وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً. أمّا إن كان الصيام نافلةً، فلا شيء عليه. [٦] أما من جامع زوجته ناسياً، فلا يبطل صومه، قياساً على من أكل أو شرب ناسياً. [٧]

أحكام التقبيل والمداعبة

التقبيل الذي يُفسد الصيام هو ما يُؤدي إلى إنزال المني، وهذا بإجماع العلماء. أمّا إن لم ينتج عنه إنزال، فهو مكروه إن كان يُثير الشهوة، ومباح إن لم يكن كذلك، مع أنّ الأفضل تركه. وقد ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهو صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهو صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ). [٨] وهناك رواية لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تُشير إلى ذلك أيضاً. [٩]

اختلف العلماء في حكم نزول المذي المُصاحب للتقبيل، فبعضهم قال بإفساده للصيام وبعضهم الآخر لم يره كذلك. [١٠] كما روي عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه رخص في المباشرة للشيخ، ومنها التقبيل، ولم يُرخّص للشاب خشية إثارة شهوته. [١١][١٢]

أما المداعبة، فيجوز شرعاً بشرط عدم الوصول إلى حدّ الإنزال. فإن خشي أحدهما أو كلاهما من ذلك، فلا تجوز، كما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة. [١٨][١٩][٢٠]

نزول المني وأثره على الصيام

يُعرّف المني بالسائل الأبيض الكثيف الذي يخرج عند اشتداد الشهوة، وهو طاهر ويوجب الغسل. أما المذي فهو سائل لزج شفاف، وهو نجس ويوجب الوضوء. نزول المني بسبب التقبيل أو الملامسة أو الاستمناء يُفسد الصيام، ويجب القضاء، دون كفارة. أما إذا نزل المني بسبب التفكير أو الحلم، فلا يُفسد الصيام. [١٢]

الاستمناء وحكمه في الصيام

يُحرّم الاستمناء، كما جاء في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ). [١٣] اختلف العلماء في حكمه على الصيام، فبعضهم قال بإفساده وبعضهم الآخر لم يره كذلك. [١٤]

صيام الجُنب

يجوز تأخير الغسل عن الجنابة إلى الصباح دون تأثير على صحة الصيام، وهذا هو رأي جمهور العلماء، كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-. [١٥][١٦][١٧]

جدول المحتويات

الموضوعالرابط
فقه الصيام وأحكامه على الحياة الزوجية#فقه_الصيام_وأحكامه_على_الحياة_الزوجية
العلاقة الزوجية خلال شهر رمضان#العلاقة_الزوجية_خلال_شهر_رمضان
أحكام الجماع والصيام#أحكام_الجماع_والصيام
أحكام التقبيل والمداعبة#أحكام_التقبيل_والمداعبة
نزول المني وأثره على الصيام#نزول_المني_وأثره_على_الصيام
الاستمناء وحكمه في الصيام#الاستمناء_وحكمه_في_الصيام
صيام الجُنب#صيام_الجُنب
[١] رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة.

[٣] سورة البقرة، آية: ١٨٧

[٤] محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (١٤٣٠هـ – ٢٠٠٩م)، موسوعة الفقه الإسلامي.

[٥] الإمام تقي الدين ابن تيمية (١٩٨٦م)، أحكام الصيام.

[٦] “ماذا يجوز للرجل من امرأته في نهار رمضان؟”

[٧] د. يوسف القرضاوي (١٩٩٣م)، تيسير الفقه.

[٨] رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين.

[٩] رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن جابر بن عبد الله.

[١٠] محمد حسن هيتو (١٩٨٨م)، فقه الصيام.

[١١] رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة.

[١٢] محمد رفيق الشوبكي (٢٠١٥)، دليل الأنام في أحكام الصيام.

[١٣] سورة المؤمنون، آية: ٥-٧.

[١٤] وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية (١٤٠٤ – ١٤٢٧هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية.

[١٥] رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين.

[١٦] “كتاب: المغني”

[١٧] “حكم صيام من لم يغتسل من الجنابة إلا بعد طلوع الفجر”

[١٨] رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين.

[١٩] رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن أبي سلمة.

[٢٠] “حكم المداعبة بين الزوجين في الصيام”

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أفضل خيارات تحديد النسل

المقال التالي

أحكام الطهارة في الإسلام

مقالات مشابهة