أحكام الشك لدى من يعاني من الوسواس في الصلاة

دليل شامل لأحكام الشكوك التي تراود من يعاني من الوسواس القهري في الصلاة. يشمل تعريف الوسوسة، وكيفية التعامل معها، وآراء الفقهاء في هذه المسألة، ونصائح للتغلب عليها.

تعريف الوسوسة

الوسوسة هي إيحاءات وأفكار سلبية يلقيها الشيطان في قلب المسلم، تهدف إلى إفساد عبادته وإزعاجه. وقد وصف ابن القيم -رحمه الله- الوسوسة بأنها “إلقاء خفي في النفس؛ إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي عليه، وإما بغير صوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد”.

كيفية التعامل مع الوساوس أثناء الصلاة

يجوز للمصلي الذي يعاني من الوساوس والأفكار المتطفلة أن يدفعها ويقطعها، وذلك ليحصل على فضل مغفرة الذنوب، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: (مَنْ توضَّأَ فأحسَنَ وُضوءَهُ، ثُمَّ صلَّى ركعَتْيِن لا يَسْهو فيهِما، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).

وعلق ابن حجر على عبارة “لا يحدث فيهما نفسه” من الحديث، موضحًا أن المقصود بها هو الحديث المستمر مع النفس الذي يمكن للمرء قطعه. أما الخواطر التي تأتي بكثرة ولا يستطيع المرء دفعها، فلا يؤاخذ عليها.

حكم التلفظ بالنية لطرد الوسواس

يرى جمهور الفقهاء أن النطق بالنية في الصلاة مستحب؛ لتحقيق التوافق بين القلب واللسان، ولأنه أحوط من التعرض للوساوس. بينما ذهب بعض الحنفية وبعض الحنابلة إلى كراهة النطق بالنية، وأباح المالكية النطق بها، مع تفضيل تركه. إلا أن الموسوس يُستحب له النطق بالنية وإسماع نفسه؛ ليزول عنه الشك.

ما حكم الشك للموسوس في الصلاة؟

يرى فقهاء المالكية أن الشك عند الموسوس في أي ركن من أركان الصلاة يعتبر كأنه لم يفعله أبدًا. وبالتالي، يجب عليه أداء الركن الذي شك فيه، ويسجد للسهو بعد السلام. فإذا شك المصلي هل صلى ثلاث ركعات أم أربع، فإنه يعتمد العدد الأقل (ثلاث) ويتم صلاته أربعًا ويسجد بعد السلام.

وذهب الحنابلة، كما ذكر ابن قدامة، إلى أنه إذا اعتدل المصلي من الركوع ثم شك هل أدى الركوع أم لا، أو هل أتى بالهيئة المجزئة منه أم لا، فإن ركوعه لا يُعتد به، وعليه أن يأتي بالركوع ويطمئن فيه. واستدرك قائلًا: “وهذا ما لم يكن ذلك الشك وسواساً ملازماً، فإذا كان كذلك، فإنه يتم صلاته ولا يلتفت إلى الشك مرة أخرى، ولا يأتي بركوع آخر غير الذي لا شك فيه، وهكذا سائر الأركان”.

ماهي حقيقة الوسوسة؟

أوضح ابن قدامة -رحمه الله- أن الموسوس في الصلاة يعتقد أن الشيطان مرشد أمين له، فإذا حدثه بشيء أطاعه. ثم عاتب ابن قدامة الموسوسين على طاعتهم للشيطان قائلًا: “أما علم أنه -أي الشيطان الموسوس له- لا يهدي إلى خير ولا يدعو إلى هدى”.

متى يُعتبر الشخص موسوسًا؟

يعتبر العبد موسوسًا إذا كان الشك يعرض له في كل صلاة، أو يتكرر مرة أو مرتين في اليوم. أما إذا كان الشك لا يحدث إلا بعد يوم أو يومين، فلا يعتبر الشخص موسوسًا.

خلاصة القول

إذا كان الشك يراود المصلي بشكل مستمر، بحيث يأتيه كل يوم مرة، فهذه تعتبر وسوسة. والموسوس مأمور بسجود السهو فقط، ولا يلزمه إعادة ما شك فيه، سواء كان الشك زيادة أو نقصاناً.

أما إذا كان الشك نادرًا، فإن المصلي يعيد ما شك فيه، ويسجد للسهو، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ).

Total
0
Shares
المقال السابق

أقوال مأثورة من شعر الإمام الشافعي

المقال التالي

تقدير النعم في الإسلام: رؤية شاملة

مقالات مشابهة