أحكام الدورة الشهرية والصيام

معرفة أحكام الدورة الشهرية والصيام للمرأة المسلمة في رمضان، وتوضيح حكم الطهر من الدورة الشهرية أثناء النهار، وحكم تناول أدوية تأخير الدورة الشهرية في رمضان، وفحص شرط الاغتسال من الدورة الشهرية لصحة الصوم، وحكم صيام المُستحاضة.

جدول المحتويات

حكم صيام المرأة خلال الدورة الشهرية

اتفق جميع العلماء على حرمة صيام المرأة أثناء الدورة الشهرية، سواء كان صيام فرض في رمضان أو صيام نافلة. فإن صامت، فلا يصح صومها. ويختلف العلماء في الحكمة من تحريم صوم الحائض، حيث ذهب بعضهم إلى أنّ الأمر تعبّدي لا علاقة له بالطهارة، كما يصحّ الصوم من الجنُب. وذهب البعض الآخر إلى أنّ صوم الحائض فيه ضرر على بدنها؛ إذ يجتمع عليها ألم الحيض، وتعب الصيام. [1]

حكم الطهر من الدورة الشهرية أثناء نهار رمضان

إذا طهرت المرأة من الدورة الشهرية خلال نهار رمضان، فاختلف الفقهاء في حكم إمساكها عن الطعام والشراب. [2]

الرأي الأول: وجوب الإمساك

يرى بعض الفقهاء أنه يلزم على الحائض إذا طهرت خلال نهار رمضان أن تمسك عن الطعام والشراب، ويلزمها قضاء هذا اليوم. وهذا هو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد. واستدلوا على ذلك بوجوب صيامها إذا طهرت قبل الفجر، ولذا، إنْ طهرت بعده أمسكت. وقاسوا المسألة على مَن ظهرت له البيّنة برؤية الهلال فيلزمه الإمساك مع القضاء، وهي كذلك تحقّق لها الطّهر؛ فلزمها الإمساك مع القضاء. [2]

الرأي الثاني: عدم وجوب الإمساك

ويذهب بعض آخر من الفقهاء إلى أنّ الحائض لا يلزمها الإمساك إذا طهرت خلال نهار رمضان. وهذا هو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد. واستدلوا على ذلك بأنّ إباحة الفطر لها في أول النهار أباح لها أن تستديم الفطر إلى آخره، كما لو أنّ العذر استمرّ معها. ولأنّ العلماء اتّفقوا على وجوب قضاء هذا اليوم على الحائض، فيصحّ أنّها غير صائمة، فلا معنى لإمساكها، وهي بذلك لا تعصي الله في ترك الصيام، ولا تؤدّي بصيامها فرضاً لله. واليوم وحدة كاملة، والصيام فيه عبادة واحدة؛ فإن فسد آخره، فسد أوّله، والعكس صحيح. [2]

حكم تناول أدوية تأخير الدورة الشهرية في رمضان

يجوز للمرأة أخذ أدوية لتأخير الدورة الشهرية إن لم يكن ثمة ضرر عليها. أما في حالة كان الدواء يسبب ضرراً عند أخذه فيعد تناوله من الأمور المحرمة. وهذا ما يحدده الطبيب. وفي حالة تم أخذ الدواء، فإن الصوم في حالة تأخر الدورة الشهرية صحيح، إذ لا علاقة بين حكم أخذ الدواء وصحة الصيام. ومن الأفضل للمرأة أن تترك الأمور على طبيعتها كما أرادها الله. [3] [4]

هل يُشترَط الاغتسال من الدورة الشهرية لصحة الصوم

ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة صيام الحائض إذا طهرت من الدورة الشهرية قبل الفجر، حتى وإن لم تغتسل. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ”. [5] ووجه الاستدلال في ذلك أنّ للرجل أن يباشر زوجته حتى يطلع الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الاغتسال بعد الفجر، وصيامه صحيح. [6]

حكم صيام المُستحاضة

الاستحاضة تعني استمرار نزول الدم على الحائض بعد انقضاء مدّة حيضها المعتادة، والدم الذي ينزل عليها هو دم نزيف، أو ما يُعرَف بدم الاستحاضة. فإن كانت دورتها الشهرية منتظمة؛ بحيث يكون لها عدد ثابت من الأيّام، وتنزل في وقت ثابت، فإنّها تتطهّر، وتصوم، وتُصلّي حال انقضاء مدّة دورتها، حتى وإن نزل عليها دم الاستحاضة.

إذ إنّ سببه قد يكون مرضاً، أو إجهاداً، وما إلى غير ذلك من الأسباب، ولا يمنع نزول دم الاستحاضة المرأةَ من أداء العبادات، وحُكمها حُكم الطاهرة.

ودليل ذلك الحديث الذي روته عائشة -رضي الله عنها-، إذ قالت: “(جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي – قالَ: وقالَ أبِي: – ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ.)،” [7]

ويمكن للمرأة أن تُميّز دم الحيض عن دم الاستحاضة بالعلامات المُميّزة لكلٍّ منهما؛ فهما مختلفان في اللون، والرائحة، والكثافة، فإن لم تستطع التمييز، التزمَت بعدّ الأيّام الثابتة لدورتها الشهريّة. [8]

ما يترتّب على الإفطار بعذر الدورة الشهرية

يجب على الحائض أن تقضي ما أفطرته في شهر رمضان بسبب الدورة الشهرية. [9] ودليل ذلك ما روته معاذة، إذ قالت: “(سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ.)،” [10]

وقد حكى ابن المنذر وغيره إجماعَ العلماء على ذلك. [11] ويجوز للمرأة التي أفطرت في رمضان بسبب الحيض أن تُؤخّر القضاء إذا لم يكن الوقت ضيّقاً، مع بقاء الأصل في الإسراع بقضاء الصوم الواجب. [12]

وفرّق أهل العلم بين من جاء عليه رمضان آخر ولم يقضِ بعذر، ومن لم يقضِ بغير عذر؛ فمن ترك القضاء بعذر كالمرض ونحوه لا حرج عليه، ولا يأثم بتأخير القضاء، ويبقى القضاء لازماً في ذمته دون الكفّارة. أمّا من أخّر القضاء بلا عذر فجمهور أهل العلم على أنّه آثم بتفريطه، ويجب بحقّه مع القضاء كفّارة إطعام مسكين عن كلّ يوم. واستندوا في ذلك لعدّة أدلة، منها أنَّ الصَّوم عبادة متكررة، كالصلوات المفروضة؛ فلا يصحّ تأخير الأولى عن الثانية، وإلى هذا الرأي ذهب ابن عباس، وابن عمر، ولم يردْ خلاف في ذلك عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وخالف في هذا الحنفية وبعض أهل العلم؛ فقالوا: لا تلزمه الكفارة بتأخيره؛ لأنه صوم واجبٌ أصلاً، فهو كمن أخّر النّذر، إذ لا يجبْ عليه في تأخيره كفارة، لكنّهم استحبّوا المسارعة إلى إسقاط الواجب. [12] [13]

المراجع

  1. صالح بن عبدالله اللاحم،الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة، السعودية: دار ابن الحوزي، صفحة 119. بتصرّف.
  2. صالح بن عبد الله اللاحم،الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 121-123. بتصرّف.
  3. “حكم أخذ المرأة دواء تأخير الحيض”،دائرة الافتاء الأردنية، 11-07-2012، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2020. بتصرّف.
  4. “حكم استعمال دواء منع الحيض لأجل الصيام”،إسلام ويب، 4-10-2003، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2020.
  5. سورة البقرة، آية: 187.
  6. دُبيان بن محمد الدُبيان (2005م)،موسوعة أحكام الطهارة(الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 196-197، جزء السابع. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 228، صحيح.
  8. خالد بن سعود البليهد،”حكم صوم المستحاضة”،www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-2-2020. بتصرّف.
  9. محمد صدقي بن أحمد آل بورنو (2003م)،موسوعة القواعد الفقهية، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 966، جزء الثامن. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 335، صحيح.
  11. محمد بن علي،مقدمة في كتاب الحيض، صفحة 26. بتصرّف.
  12. أبمجموعة من المؤلفين (1427هـ)،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، صفحة 10-11، جزء العاشر.
  13. “تأخير قضاء رمضان عشر سنوات”،www.ar.islamway.net، 8-8-2012، اطّلع عليه بتاريخ 17-8-2020. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أحكام الخطبة في الإسلام

المقال التالي

أحكام الدية في الإسلام

مقالات مشابهة