محتويات
شرح أحكام الحيض
تواجه المرأة المسلمة حالة الحيض خلال حياتها، وهذه الحالة تَفرض مجموعة من الأحكام الشرعية التي تَتعلق بِالعديد من جوانب حياتها. سنناقش في هذا المقال أهم أحكام الحيض ونتطرق إلى بعض الأمور المتعلقة بها.
الأحكام المحرمة على الحائض
يوجد العديد من الأحكام التي تُحرم على المرأة خلال فترة حيضها، ومنها:
- الطهارة: لا يجوز للمرأة الحائض أن تتوضأ أو تغتسل بطريقة العبادة (الوضوء والغسل للصلاة) وذلك عند الشافعية والحنابلة. [1]
- الصلاة: يُحرم على المرأة الحائض أو النفاس أداء الصلاة بالإجماع، والنفساء هي المرأة التي وضعت ولدها حديثًا ويستمر نزول الدم عليها لمدة أربعين يومًا في الغالب. [1] فالحيض يفسد صحة الصلاة ويُلغي واجبها على المرأة مؤقتًا. جاء هذا الحَكمُ صراحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أمر أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن تترك الصلاة عند الحيض، قائلاً:
“(إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي).” [2] [3] - الصيام: لا يجوز للمرأة الحائض صوم أي نوع من أنواع الصيام، سواء كان فرضًا كصيام رمضان أو نفلًا، وذلك بسبب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “(إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ).” [5] ويختلف هذا عن الصلاة، حيث يجب على الحائض قضاء الصيام إذا كان فرضًا، مثل صيام رمضان. كما أنّ المرأة إذا حاضت أثناء صيامها لكفارة، فإنها تُفطّر أيام حيضتها ثم تستكمل الصيام دون أن يَخِلّ ذلك بشرط التتابع. [3]
- الحج: إذا خرجت المرأة للحجّ ثم حاضت هناك، فإنّها تأتي بأفعال الحجّ إلا طواف الإفاضة. وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: “(قَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قالَتْ: فَشَكَوْتُ ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قالَ: افْعَلِي كما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي).” [6] وتُباح لها أفعال أخرى مثل الاغتسال للحجّ أو الاغتسال للوقوف بجبل عرفة. أمّا طواف الإفاضة فهو ركن من أركان الحجّ ولا يُصحّ الحجّ إلا به. [3]
- قراءة القرآن: هُناك آراء متعددة لدى الفقهاء حول قراءة القرآن للحائض، فالرأي الأول هو أنّه حرام عليها، ويَستندُ أصحاب هذا الرأي إلى حديث: “(لا تَقرأ الحائضُ، ولا الجنُبُ شيئًا منَ القرآنِ).” [7]
والظاهر بعدَ البحثِ أنّ هذا الحديث ضعيف، وقيل: هو مُنكَرٌ، وقيل: هو باطل. وهناك بعض الفقهاء الذين وضَعوا شروطًا لقراءة القرآن، مثل جواز قراءة القرآن قلبياً دونَ التّلفظ به عند الشافعية، و يُجيز الحنابلة قراءة شيءٍ مِن آية لا آيةً كاملة أو أكثر.
وخالف الجمهور الإمام مالك، حيث أجازَ للحائضِ قراءةُ القرآنِ مطلقاً. [3] - مسّ المصحف: اتّفقَ الفقهاءُ على حُرمَةِ مسّ المُصحفِ للحائض، استدلالاً بقوله -تعالى-:(لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). [8] وللمالكيّة رأي مختلف، إذ يسمحون بِمسّ المُصحفِ لأغراضِ التّعَلّمِ والتَعليم. [3] ويُجَوِّزُ الحنفية حَملَهُ بِحائلٍ ليسَ مِن القرآن، بينما يَكرَهونَ فِعلَ ذلكَ بأكمامِ الملابس إلّا للتَعَلُّم. [1]
- دُخولُ المسجد: لا يجوز للمرأة الحائض الجلوسُ في المسجدِ أو بقاؤها فيه بأيّ حالٍ مِن الأحوال باتّفاقِ العلماء، ولكن يَجوزُ لها المُرورُ بِه مروراً، لضرورةٍ أو طارئٍ.
ورَدَ هذا الاستثناءُ بالسّنةِ الشريفة، إذ طَلَبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن عائشة أمُ المؤمنين -رضي الله عنها- إحضارَ شيءٍ لهُ مِنَ المسجدِ، فتَعَذّرتْ بِحيضتِها، فقال:(إنَّ حَيْضَتَكِ ليسَتْ في يَدِكِ). [9] ويَكرَهُ الفقهاءُ ذلكَ دونَ ضرورة، بينما يُمنع الحنفيةُ والمالكيةُ دُخولَ الحائضِ للمسجد بأيّ حالٍ مِن الأحوال.
أمّا دُخولها مُصلّى العيدِ فهو مختلف، ويُجَوّزُه أكثرُ الفقهاءِ إلّا الحنابلة، بالإضافة إلى دخولها مُصلى الجنازة. [3] - الجِماع: لا يجوز جِماعُ المرأةِ الحائضِ بالإجماع، استِناداً لقوله -تعالى-:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ). [10] وجاءَ تأكيدُ ذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم- عن الحيض:(اصْنَعُوا كُلَّ شيءٍ إلَّا النِّكَاحَ). [11] ومِنَ الجديرِ بالذّكرِ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَأتي نِساءَهُ في حيضِهنَّ دونَ الفرجِ، فيتركُ مَنطِقَةَ السّرةِ نُزولاً إلى الرّكبة، ودليل ذلكَ حديثُأم المؤمنين ميمونة-رضي الله عنها- عن رسول الله أنّه:(كان يبًاشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار). [12] [3] فبنَى بعضُ الفقهاءِ على الحديثِ الجوازَ باشتراطِ السّاتر، بينما مَنَعَهُ بعضهم خَشيَةَ الاجتِرارِ إلى الوَطَءِ الكامل. [3]
- الطّلاق: لا يجوز تطليقُ المرأةِ الحائض، ويستَنِدُ هذا الحُكم على حديثٍ يرويه الإمامُ مسلم في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنّه طلّقَ امرأتهُ وهي حائض، فَذَكَرَ عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذلكَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:(مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا). [13] [1]
- الذّكر: يجوز للمرأة الحائض أن تَذكُرَ الله -تعالى- بِما شاءت مِن تسبيحٍ، أو تكبيرٍ، أو استغفارٍ، أو صلاةٍ على نبي الله،
خِلافاً لباقي العبادات. وكانت النَساءُ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يخرُجنَ لصلاةِ العيدِ فَيُكبّرنَ كما يكبِّر النّاس ويدعينَ كما يدعوا النّاس حتّى الحائضُ منهن. [14] [15]
قضاء الفائت من العبادات بسبب الحيض
تُحرم على الحائض أداء الكثير من العبادات، ومنها ما تُقضيه بعد الطّهر كالصّيام وطواف الإفاضة، ومنها ما لا تُقضيه كالصّلاة. سيتم تفصيل ذلك فيما يلي:
- قضاء الصلاة: يُقصد به قضاء صلاة تركتها المرأة بسبب الحيض، ويوجد حالتان:
- إذا حاضت في أول وقتها، كأن يدخل وقت صلاة الظّهر ثم تحيضُ المرأة، فإنّ الحنفيّةَوالمالكيّةَيرونَ سقوط تلك الصلاة، أمّا الشافعيّة والحنابلة فيرون وجوبَ قضائها.
- إذا طَهُرت المرأةُ مِن حيضتها في نهاية وقتِ صلاةٍ ما، فعندَ المالكيّة إذا اتّسع الوقتُ المتبقي لركعةٍ واحدةٍ وَجَبَ عليها صَلاتُها.
أمّا الشافعية والحنابلة فيرونَ قضاءَ الصّلاةِ التي طهرت في وقتها ولو لَم يبقَ فيها سِوا وقتُ تكبيرةِ الإحرام، وتقضي معها الصّلاةَ التي تَسبِقُها إن كانتا مما يُجمَعُ عِندَ الجمعِ.
- قضاء الصيام:
اتّفقُ الفقهاءُ جميعُهم على وجوبِ قضاءِ المرأةِ لليومِ الذي يَنزِلُ فيه الدّمُ بعدَ الفجر ولو انقطعَ بعدَ ساعاتٍ أو دقائقٍ.
واختلفوا هل تَمتَنِعُ عن الأكلِ والشّربِ بسببِ انقطاعِ الدّم، إذ يرى الحنفيّةُ والحنابلةُ وجوبَ الإمساك عن الطعام والشّراب مع أنّها ستقضيه، بينما لا يرى الشافعيةُ والمالكيةُ ذلك، فيرون أنّ مُجرّدَ نزولِ الدّمِ بعدَ الفجر يُبيحُ إفطار ذلك اليومِ ولو انقطعَ الدّم خلالَ النّهارِ.
أمّا إذا طَهُرت قبلَ الفجرِ فإنّ الفقهاء جميعهم متّفقونَ على وجوبِ صومِها لليوم التالي، واشتَرَطَ الحنفيّةُ اغتسالها قَبلَ الفجرِ، بينما لم يشترط المالكيّةُ ذلكَ واكتفوا بتحقّقِ انقطاعِ الدّم قبلَ الفجرِ ولو بِلحظةٍ وإن لم تغتسل قبله، وكذا لم يشترط الحنابلة ذلك واكتفوا بإيجاب الصوم من وقتِ انقطاعِ الدّم. - قضاء طواف الإفاضة:
كما ذُكر سابقاً من أنّ الطوافَ حرامٌ على المرأةِ الحائض، وأنّ له أنواعٌ، اثنانِ من السّنّة؛ وهُماطوافُ القدومِوطوافُ الوداعِ، وكلاهما يسقُطانِ عن الحائضِ؛ تخفيفاً عنها، أمّا الأخير فهو ركنٌ من أركان الحجّ؛ وهو طوافُ الإفاضة، وعلى الحائضِ الانتظارَ حتّى تطهرَ ثمّ تغتسِلَ وتؤدّيهِ، ولا يَصِحُّ الحجُّ إلّا بِهِ.
الآثار المترتبة على الحيض
يَترتبُ على حالة الحيض لدى المرأة عدة أمور مهمة في حياتها اليومية، منها:
- البلوغ:
إنّ نزولَ الدّم علامةُ بلوغِ المرأة، والبلوغُ أساسُ المُحاسَبِةِ والتكليفِ الشّرعيّ. وأشارَ إلى ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “(لا تقبلُ صلاةُ الحائضِ إلا بخمارٍ).” [19] ومعناهُ أنّ المرأةَ الّتي تَحيضُ يَجِبُ عليها سَترُ العورةِ أثناءَ صلاتها إذ أصبَحَت مُكلَّفَةً بالصّلاةِ، وبالسَتر والحجاب وغيرها من التّكاليف الشّرعية. - وجوب الغُسل:
وحُكمُ النّفساءِ في ذلكَ كحُكمِ الحائض، إذ تَترُكُ العبادات أثناءَ الحيضةِ ثمّ تَغتَسِلُ إذا طَهُرت، والطّهرُ انقطاعُ الدّمِ؛ ولَهُ علاماتٌ تعرِفُها المرأة، وسيأتي بيانها في المبحثِ التالي. - كفارة الوطء أثناءَ الحيض:
إنّ جماعُ المرأةِ الحائضِ حرام، وأوجبَ فيه الحنابلة إخراجَ كفارةٍ مقدارها نِصفُ دينارٍ من الذّهب. - العدّة:
تُبنَى مدّةالعدّةالشّرعية للمرأةِ المُطلّقة بناءً على استبراءِ الرّحم.
وبراءةُ الرّحم تعني فَراغَهُ مِن بقايا العلاقة السابقة، ويَحسِبونَ لذلكَ عَدَدَ حَيضاتٍ تَكفي لبراءةِ الرّحم.
و يُعتَدّ بالحيض عند الحنفيةُ والحنابلة، إذ يُفَسِّرونَ لَفظَ القُرءِ الوارد في الآية الكريمة:
“(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)” [20] بالحَيضَة، فيقولونَ بِبراءةِ الرّحم وانتهاءِ العدّةِ بعدَ ثلاثِ حيضاتٍ تحيضُها المرأةُ المطلقةُ.
ماهيّة الحيض
الحيضُ لُغةً: هو السَّيَلانُ. وشرعاً: هو دَمٌ يُصيبُ المرأةَ، يَنزِلُ من أقصى الرّحمِ في غَيرِ وقت ولادة، وإلّا سُمِيَّنَفَاساً.
وهو دمٌ يأتي في موعدٍ معيّن مِن كُلِ شهر، يُمَيّزُهُ سَوادُ لَونِهِ وكثافَتُهُ ورائِحَتُهُ الكريهةُ.
كما أنّ نزوله يسبّبُ آلاماً شديدةً للمرأة، تتفاوتُ شِدّتُها بينَ امرأةٌ وأُخرى.
وأولُ ما وردَ ذكره في القرآنِ الكريم في قوله -تعالى- في سورة البقرة:
“(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى).” [21] [22]
وللحيضِ أحكامٌ مهمّة، إذ يَتَعَلقُ بشتّى العباداتِ؛ كالصّلاةِ، والصّيام، والحجّ، وقراءةُ القرآنِ، والطّلاق، والجِماع، وغيرها.
ولما كان له هذه الأهمية، وَجَبَ تَعَلُّمُ أحكامهِ على المرأةِ عِلم الفريضة.
فالجَهلُ بأحكامهِ يعني إفسادَ العباداتِ والوقوعُ بالحرامِ من مختلف أبوابهِ، وهذا ما حاولت الشّريعةُ الإسلامية تنزيه المرأة المسلمة عنِ الوقوعِ فيه. [23]
اختلفَ الفقهاءُ في تحديدِ أطولِ مدّةٍ للحيضِ وأقلُّها:
- الحنفيّة: يرونَ أنّ أقلَ الحيضِ ما كان ثلاثة أيامٍ بلياليها، وأكثرهُ ما كان عشرةَ أيامٍ بلياليها.
- المالكيّة: لا يضعون حَداً لأقل مدّة للحيضِ إلّا أن يكونَ أقلّه دُفعةً واحدةً مِنَ الدّمِ تَنزِلُ على المرأةِ ثم ينقطِعُ وتطهر، وأكثَرُهُ عندَهُم خمسةَ عشرَ يَوماً.
- الحنابلة والشّافعيّة: يجعلونَ أقلَّ حدٍ لهُ يومٌ وليلةٌ، وأكثَرُهُ خمسةَ عشرَ يوماً بلياليهنّ، وغالباً ما يكونُ سبعةَ أيامٍ.
الفرق بين الحيض والاستحاضة
يَجدُرُ بالذّكرِ هنا أن المرأةَ وإن حاضت فإنّها قد تُستحاضُ أيضاً.
والاستحاضَةُ تختلفُ عن الحيضةِ في طبيعَتِها، وأسبابِها، وحُكمها،
فأمّا دمُ الحيضِ فيكونُ أحمراً قانياً، وقد يكون أسوداً بإجماعِ العلماء، ويختلفُ لونه باختلافِ البيئةِ التي تعيشُ فيها المرأةُ، وطبيعةُ الطّعامِ الذي تتناوله.
وقد يكونُ لونُ الدّمِ مائلاً إلى اللّونِ الأصفر، كأن يكونَ بُنِّياً أو مُختَلِطاً بينَ السّوادِ والصّفار، ويُعدّ هذا حيضاً عند جمهورِ العلماءِ إذا كان في وقتِ الحيضةِ دون أن يتجاوَزَ الحدَّ الأعلى لِمدّةِ الحيضِ.
ويَلحَقُ ذلكَ عِندَ أغلبِ النّساءِ نزولُ إفرازاتٍ بيضاءَ شفافة تُعدّ هيَ علامةَ الطُّهرِ الأساسيةُ، وكانت سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- تُرشِدُ نساءَ المسلمينَ إلى انتظارِ ظُهورِ هذه العلامةَ لتيقّنِ الطُهر. [25] [26]
ولكن يجب التفريق بين الحيض والاستحاضة، فالاستحاضة حالة من استمرار نزول الدّم على المرأة في غير موعده، وتنزِل من عرقٍ يسمّى العاذل، وتختلف أوصافه عن دمِ الحيض، فالاستحاضة تكون رقيقة لا كثيفة، وليس لها في العادة رائحة، ولا تعتبر منالنجاساتِ. [27] ويُعتبَر دم الاستحاضة حَدثٌ دائمٌ تُصلّي المرأة معه وتصوم وتفعل ما تفعله المرأة الطاهرة بخلاف الحائض. [28]
يَجدرُ بالذّكر أنّ إذا تتابعَت الصّفرة والكدَرة مع الحيض في وقته؛ كانت حيضاً، أمّا إذا رَأت المرأة علامةَ الطُّهرِثمّ رأت الصُّفرة أو الكدرة فإنّها لا تَعُدّها حيضاً، بل تَعُدّها استحاضةً، استناداً إلى الحديث: “(كنَّا لا نعُدُّ الكُدْرةَ والصُّفْرةَ بعدَ الطُّهْرِ شيئًا).” [29] والحكم في الاستحَاضَةِ الوضوءُ لكلِ صلاةٍ، وأقرّ ذلكَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال في المرأة التي ترى بعد الطُّهر ما يثير الريبة في نفسها أهو حيضٌ أم غيره، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:(إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ في المرأةِ ترى ما يريبُها بعدَ الطُّهرِ إنَّما هيَ عرقٌ). [30] [26] [25]
كيفية غسل الحائض
لطهارةِ المرأةِ الحائضِ طريقة للغسل تتّبعها المرأة، كما طرحَ الفقهاءُ فيها مسائل عدّةٌ:
صفةُ غُسلِ المرأةِ بِالتّرتيبِ:
النيّة، ثم البسملةُ، ثم غَسلُ اليدينِ، ثم غَسلُ موضعِ الدّمِ، ثم الوضوءِ، ثم تعميمُ الرّأسِ بالماءِ مع تخليله، وتعميمُ الماء على البدنِ ودلكهُ ابتداءً بالشّقِّ الأيمنِ مِن كلُ فعلٍ ثم الانتقال للشقّ الأيسر، وهذهِ هيَ الصّفةُ الكاملةُ للغسل على الصّورةِ التي فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غُسلِهِ مِنَ الجنابة، ولا يختلفانِ في شيءٍ. [31]
جاء في الحديث:(كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بيَدِهِ شَعَرَهُ، حتَّى إذَا ظَنَّ أنَّه قدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ، أفَاضَ عليه المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ). [32]
وأجمعَ الفقهاءُ على أنّ تعميمَ البدنِ بالماءِ ككلّ يكفي لتحقّق الطهارةِ المطلوبة في الحيضِ والجنابةِ ولو لم تتبِع المرأةُ صِفَةَ الغُسلِ السابقة كاملةً. [31]
الغُسلُ مع ضفيرةِ الشّعرِ:
إذا كانت المرأةُ قد ضَفَرَت شعرها -أي جمعته فَرَبَطَتْه- وأرادتْ أنّ تغتسلَ؛ فإنّ مِن الفقهاءِ مَن يرى وجوبَ نَقضِها إياهُ، وهم المالكيّةُ والحنابلة، واستدلوا بحديثِ عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، إذ تروي أنّها حاضت يوم عرفة وهُم في الحجّ، فَشَكَت ذلكَ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:(دَعِي عُمْرَتَكِ، وانْقُضِي رَأْسَكِ، وامْتَشِطِي وأَهِلِّي بحَجٍّ). [33] [31] [34]
أمّا القول الثّاني فهو قولُ جمهورِ العلماءِ، وهُم على عَدَمِ وجوبِ نقضِ المرأةِ رأسها إلّا استحباباً.
ومِن أدلّتهم حديثُ أمُ سلمة -رضي الله عنها- الخاصُ في نَقضِ الضفيرة، إذ سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلكَ فقال:(إنَّما يَكْفِيكِ أنْ تَحْثِي علَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ). [35]
إذ قَدَّمَ الجمهورُ حديثَأمِ سلمة-رضي الله عنها- الخاصُ في المسألةِ، وحَمَلوا الأول على الاستحبابِ؛ لأنّهُ جاءَ في الغُسلِ للحجّ بدايةً، كما أنّهُ أُمِرَ فيه بتمشيطِ الشّعرِ، وهو لَيسَ بواجبٍ إطلاقاً، فيأخذ بذلك حُكمَ الاستحبابِ. [31] [34]
استخدامُ المِسك:
وردَ في السّنةِ الشريفةِ حَثُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنساءِ المسلمينَ على استخدامِ شيءٍ ذو رائحةٍ طيبةٍ على موضعِ الدّمِ أثناءَ الغُسلِ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأةٍ سائلةٍ:(خُذِي فِرْصَةً مِن مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بهَا). [36]
وهذا حكمٌ محمولٌ على الاستحبابِ، ولا خلافَ على أنّ الماءَ يكفي لتحقيقِ الطّهارة. [34]
طهارةُ الثّيابِ التي أصابها من دمِ الحيضِ شيءٌ:
أرشدَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في السّنةِ الشّريفة إلى طريقةِ تطهيرِ الثّوب إذا أصابهُ شيءٌ مِنَ الدّم فقال:(إذَا أصَابَ ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ). [37]
وتقرصه: يعني تفركه، ومما لا شكَ فيه أنّ وسائلَ النّظافةِ الحديثةِ مُطهِّرَةٌ للدمِ وزيادة. [34]
التيمّمُبدل الغسل:
إذا لم تَجِد المرأةُ الماءَ للغُسل فإنّه يُشرعُ لها التيمّم بدلاً عنه، فالتيمّم مشروعٌ لشتى أنواع التّطهرِ لأداءِ العبادات، لعموم الآية الكريمة:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا). [38] [31]
المراجع
- أبتثوهبة الزحيلي،الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي(الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 625-631، جزء 1. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 331، صحيح.
- أبتثجحخدذرزمجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت، دارالسلاسل، صفحة 314-326، جزء 18. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 335، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 304، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1650، صحيح.
- رواه الألباني، في ضعيف الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 131، منكر.
- سورة الواقعة، آية: 79.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 298، صحيح.
- سورة البقرة، آية: 222.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 302، صحيح.
- رواه أبي داود، في سنن أبي داود، عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 267، صالح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1471، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 671، صحيح.
- محمد حسن عبد الغفار (2004م)،تيسير أحكام الحيض للنساء(الطبعة الثانية)، صفحة 27-28. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 315-320، جزء 18. بتصرّف.
- وهبة الزحيلي،الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي(الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 623-624، جزء 1. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 312-314، جزء 18. بتصرّف.
- رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 377، حسن.
- سورة البقرة، آية: 228.
- سورة البقرة، آية: 222.
- وهبة الزحيلي،الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي(الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 610، جزء 1. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 293-294، جزء 18. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 298-300، جزء 18. بتصرّف.