أحاديث عن بر الوالدين

لقد ورد عن الرسول صلى الله عليه و سلم العديد من الأحاديث التي تحث على البر بالوالدين و طاعتهما ، و من هذه الأحاديث : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال

فِضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ

تُعَدُّ طاعةُ الوالدينِ من أعظمِ الفرائضِ التي حثّ عليها الإسلامُ، وقد وردَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العديدُ من الأحاديثِ التي تُبيّنُ فَضْلَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وتَحُثُّ على طاعتهما.

ففي الحديثِ الشريفِ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من: قال أمك قال: ثم من: قال: أمك قال : ثم من: قال: أبوك)).

و يبيّنُ هذا الحديثُ أنّ حقّ الأمّ على ولدها أعظمُ من حقّ الأب، وذلك لِمَا تَحَمّلَتْهُ من مشقةِ الحملِ والولادةِ والرّضاعةِ.

معاني بعض الألفاظ في الحديث

  • قوله: (باب من أحق الناس بحسن الصحبة ) الصحبة والصحابة مصدران بمعنى ، وهو المصاحبة أيضا.
  • قوله : ( حدثنا جرير ) هو ابن عبد الحميد.
  • قوله : ( عمارة بن القعقاع بن شبرمة ) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة كذا للأكثر ووقع عند النسفي وكذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي ” عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة ” بزيادة واو والصواب حذفها فإن رواية ابن شبرمة قد علقها المصنف عقب رواية عمارة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق زهير بن حرب عن جرير عن عمارة حسب.
  • قوله : ( جاء رجل ) يحتمل أنه معاوية بن حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية ، وهو جد بهز بن حكيم ، فقد أخرج المصنف في ” الأدب المفرد ” من حديثه ” قال قلت : يا رسول الله من أبر ؟ قال : أمك ” الحديث . وأخرجه أبو داود والترمذي.
  • قوله : ( فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ) ؟ في رواية محمد بن فضيل عن عمارة عند مسلم ” بحسن الصحبة ” وعنده في رواية شريك عن عمارة وابن شبرمة جميعا عن أبي زرعة قال مثل رواية [ ص: 416 ] جرير ، وزاد فقال نعم وأبيك لتنبأن وقد أخرجه ابن ماجه من هذا الوجه مطولا وزاد فيه حديث أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح ” وأخرجه أحمد من طريق شريك فقال في أوله : ” يا رسول الله نبئني بأحق الناس مني صحبة ” ووجدته في النسخة بلفظ ” فقال نعم والله ” بدل ” وأبيك ” فلعلها تصحفت ، وقوله : ” وأبيك ” لم يقصد به القسم وإنما هي كلمة تجري لإرادة تثبيت الكلام ، ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل النهي عن الحلف بالآباء.
  • قوله : ( قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : ثم من ؟ قال : أبوك ) كذا للجميع بالرفع ووقع عند مسلم من هذا الوجه وعند المصنف في ” الأدب المفرد ” من وجه آخر بالنصب ، وفي آخره ثم أباك والأول ظاهر ويخرج الثاني على إضمار فعل . ووقع صريحا عند المصنف في ” الأدب المفرد ” كما سأنبه عليه ، وهكذا وقع تكرار الأم ثلاثا وذكر الأب في الرابعة ، وصرح بذلك في الرواية يحيى بن أيوب ولفظه ” ثم عاد الرابعة فقال : بر أباك ” وكذا وقع في رواية بهز بن حكيم وزاد في آخره ثم الأقرب فالأقرب وله شاهد من حديث خداش أبي سلامة رفعه أوصي امرأ بأمه ، أوصي امرأ بأمه ، أوصي امرأ بأمه ، أوصي امرأ بأبيه ، أوصي امرأ بمولاه الذي يليه ، وإن كان عليه فيه أذى يؤذيه أخرجه ابن ماجه والحاكم ، قال ابن بطال : مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر ، قال : وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع ، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ، ثم تشارك الأب في التربية . وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله – تعالى – : ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين فسوى بينهما في الوصاية ، وخص الأم بالأمور الثلاثة . قال القرطبي : المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر ، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة . وقال عياض : وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب ، وقيل يكون برهما سواء ، ونقله بعضهم عن مالك والصواب الأول . قلت : إلى الثاني ذهب بعض الشافعية ، لكن نقل الحارث المحاسبي الإجماع على تفضيل الأم في البر وفيه نظر ، والمنقول عن مالك ليس صريحا في ذلك فقد ذكره ابن بطال قال : سئل مالك طلبني أبي فمنعتني أمي ، قال : أطع أباك ولا تعص أمك قال ابن بطال : هذا يدل على أنه يرى برهما سواء ، كذا قال . وليست الدلالة على ذلك بواضحة ، قال : وسئل الليث يعني عن المسألة بعينها فقال : أطع أمك فإن لها ثلثي البر ، وهذا يشير إلى الطريق التي لم يتكرر ذكر الأم فيه إلا مرتين . وقد وقع كذلك في رواية محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عند مسلم في الباب ، ووقع كذلك في حديث المقدام بن معدي كرب فيما أخرجه المصنف في ” الأدب المفرد ” وأحمد وابن ماجه وصححه الحاكم ولفظه إن الله يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بآبائكم ، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب وكذا وقع في حديث بهز بن حكيم كما تقدم ، وكذا في آخر رواية محمد بن فضيل المذكورة عند مسلم بلفظ ثم أدناك فأدناك وفي حديث أبي رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة ” انتهيت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسمعته يقول : أمك وأباك ، ثم أختك وأخاك ، ثم أدناك أدناك ” أخرجه الحاكم هكذا ، وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن حبان ، والمراد بالدنو القرب إلى البار . قال عياض : تردد بعض العلماء في الجد والأخ ، والأكثر على تقديم الجد . قلت : وبه جزم الشافعية ، قالوا : يقدم الجد ثم الأخ ، ثم يقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ، ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم ، ويقدم منهم المحارم على من ليس بمحرم ، ثم سائر العصبات ، ثم المصاهرة ثم الولاء ، ثم الجار . وسيأتي الكلام على حكمه بعد . وأشار ابن بطال إلى أن الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة وهو واضح ، [ ص: 417 ] وجاء ما يدل على تقديم الأم في البر مطلقا ، وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة ” سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال : زوجها . قلت : فعلى الرجل ؟ قال : أمه ” ومؤيد تقديم الأم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ” أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني ، فقال : أنت أحق به ما لم تنكحي ” كذا أخرجه الحاكم وأبو داود . فتوصلت لاختصاصها به وباختصاصه بها في الأمور الثلاثة.
  • قوله : ( وقال ابن شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله ) أما ابن شبرمة فهو عبد الله الفقيه المشهور الكوفي ، وهو ابن عم عمارة بن القعقاع المذكور قبل ، وطريقه هذه وصلها المؤلف في ” الأدب المفرد ” قال : ” حدثنا سليمان بن حرب حدثنا وهيب بن خالد عن ابن شبرمة سمعت أبا زرعة ” فذكر بلفظ ” قيل : يا رسول الله من أبر ” والباقي مثل رواية جرير سواء لكن على سياق مسلم ، وأما يحيى بن أيوب فهو حفيد أبي زرعة بن عمرو بن جرير شيخه في هذا الحديث ولهذا يقال له الجريري ، وطريقه هذه وصلها المؤلف أيضا في ” الأدب المفرد ” وأحمد كلاهما من طريق عبد الله هو ابن المبارك ” أنبأنا يحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة ” فذكره بلفظ ” أتى رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : ما تأمرني ؟ فقال : بر أمك ثم عاد ” الحديث وكذا هو في ” كتاب البر والصلة لابن المبارك ” ونقل المحاسبي الإجماع على أن الأم مقدمة في البر على الأب.

حديث عن عبد الله بن مسعود

يُبيّنُ حديثٌ آخرُ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه منزلةَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، حيث قال: ((سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي :قالبر الوالدين, قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)).

و قد وردَتْ للحديثِ رواياتٌ متعدّدةٌ، بعضها يَصُفُ كيف سألَ ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، وكيف أجابَه النبي صلى الله عليه وسلم باختيار الصلاة على وقتها، ثم برّ الوالدينِ، ثمّ الجهادِ في سبيلِ الله.

و يَظْهَرُ مِنْ هذِهِ الرّواياتِ أنّ برّ الوالدينِ يُعَدُّ من أفضلِ الأعمالِ بعدَ الصلاةِ على وقتها، و يُؤكِّدُ ذلكَ الحديثُ الشريفُ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثًا) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» [متفق عليه].

أدب السؤال عند سلف هذه الأمة

يشيرُ هذا الحديثُ إلى أنّ ابن مسعودَ رضي الله عنه كانَ مُتَأدِّبًا في سؤاله، حيثُ لم يتجاوزْ سؤاله عن ثلاثِ مسائلَ فقط، و يُعَدُّ هذا من أدبِ السؤال عند سلفِ هذهِ الأمةِ،

فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )حتى حج وحججت معه ، وعدل وعدلت معه بإداوة ، فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ ، ثم سأله ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه المسألة.

و يُمكنُ استخلاصُ بعضِ قواعدِ أدبِ السؤال من هذا الموقفِ، منها:

  • السؤالُ عن الأهمّ
  • السؤالُ عما يتعلقُ بأمور الآخرةِ وما يُقرّبُ إلى الله عز وجلّ
  • الاختصارُ في السؤالِ

“أي” في سؤال ابن مسعود

من المهمّ أن نُشيرَ إلى أنّ ” أي ” الواردةَ في سؤالِ ابن مسعودَ رضي الله عنه هيَ ” بغيرِ تنوينٍ “، وذلك لِمَا يُشِيرُ إليهِ ابن الملقّنِ رحمه الله.

فضلُ الصلاةِ على وقتها

يجمعُ هذا الحديثُ بينَ فضْلِ الصلاةِ على وقتها، وفضلِ برّ الوالدينِ، وفضلِ الجهادِ في سبيلِ الله، ويُبيّنُ أنّ كلًّا من هذهِ الأعمالِ يُعَدُّ من أفضلِ الأعمالِ، و لا نُقلّّلُ من شأنِ أيٍّ منها.

و يَظْهَرُ من الحديثِ أنّ ” على ” الواردةَ في قوله: ” الصلاة على وقتها “، أو ” على ميقاتها “، أو ” على مواقيتها ” تدلّ على فضل الصلاةِ في أولِ الوقتِ، ويُستثنى من ذلكِ ما يُستحبّ تأخيرهِ، كصلاةِ العشاءِ إذا لم يشقّ على الناسِ، وصلاةِ الظهرِ في حالِ شدّةِ الحرّ.

و قد وردَتْ روايةٌ أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأنِ، حيثُ قال: ((رغم أنف ,ثم رغم أنف, ثم رغم أنف, قيل من ؟ يارسول الله! قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة)).

و يُؤكّدُ هذا الحديثُ على عظيمِ فضْلِ برّ الوالدينِ، و أنّ من أدركَ والديهِ في الكِبرِ ولم يُبرّهما فإنّهُ لا يدخلُ الجنة.

و يَظْهَرُ من هذهِ الأحاديثِ أنّ الإسلامُ يُؤكّدُ على أهمّيةِ برّ الوالدينِ، و أنّ هذا الفعلَ يُعَدُّ من أعظمِ الفرائضِ، و يُؤدّي إلى رضوانِ الله عزّ و جلّ و دخولِ الجنة.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أحاديث عن فضل الوضوء

المقال التالي

أحاديث عن تزكية النفس

مقالات مشابهة