فهم مفهوم الأخوة الإنسانية
تُعد الأخوة الإنسانية جوهرًا أساسيًا في الإسلام، وهي ركيزةٌ قويةٌ تُؤكد على المساواة والترابط بين جميع البشر بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو أي تمييز آخر. تأسست هذه الفكرة على أساسٍ متينٍ من القرآن الكريم والسنة النبوية، والتي تُبين لنا أن أصل البشرية واحد، وأنَّ الله خلقنا جميعًا من نفسٍ واحدةٍ.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [١].
أحاديث نبوية شريفة تُسلط الضوء على الأخوة الإنسانية
توجد العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تُشدد على ضرورة تعزيز روابط الأخوة الإنسانية وحفظ حقوقها. بعض هذه الأحاديث:
- روى عدد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا من ظلَم مُعاهَدًا أو انتقصَه، أو كلَّفه فوقَ طاقتِه، أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ؛ فأنا حجيجُه يومَ القيامةِ” [٤].
- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: “قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ إذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهي رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ” [٥].
- روى عبد الله بن عمر عن مُجاهِدٍ قال: “كُنَّا نأتي عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو وعندَهُ غَنَمٌ له، فكان يَسقينا لَبنًا سُخنًا، فسَقانا يومًا لَبنًا باردًا، فقُلْنا: ما شأنُ اللَّبنِ باردًا؟ قال: إنِّي تَنحَّيْتُ عنِ الغَنَمِ؛ لأنَّ فيها الكلبَ، وغُلامُهُ يسلُخُ شاةً، فقال: يا غُلامُ، إذا فرَغْتَ فابدَأْ بجارِنا اليهوديِّ حتَّى فعَل ذلك ثلاثًا، فقال له رجُلٌ منَ القومِ عرَفهُ مُجاهِدٌ: كمْ تذكُرُ اليهوديَّ، أصلَحكَ اللهُ؟ قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يوصِي بالجارِ حتَّى خَشِينا أو رِبْنَا أنَّه سيُورِّثُهُ” [٦].
- روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا” [٧].
- روى عمرو بن الحمق رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيما رجلٍ أمَّن رجلًا على دمِه ثم قتله؛ فأنا من القاتلِ بريءٌ، وإن كان المقتولُ كافرًا” [٨].
- روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ” [٩].
- روى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وهي أرْضٌ يُسَمَّى فيها القِيراطُ، فإذا فَتَحْتُمُوها فأحْسِنُوا إلى أهْلِها، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا، أوْ قالَ ذِمَّةً وصِهْرًا، فإذا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمانِ فيها في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فاخْرُجْ مِنْها قالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ شُرَحْبِيلَ بنَ حَسَنَةَ، وأَخاهُ رَبِيعَةَ يَخْتَصِمانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ مِنْها” [١٠].
- كانَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، وقَيْسُ بنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عليهما بجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فقِيلَ لهما إنَّهَا مِن أَهْلِ الأرْضِ أَيْ مِنأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقالَا:(إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ فَقَامَ، فقِيلَ له: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا” [١١].
أهمية الأخوة الإنسانية في بناء مجتمعات متماسكة
إن الأخوة الإنسانية هي أساسٌ لبناء مجتمعاتٍ متماسكةٍ وقويةٍ، وتُساهم في نشر السلام والوئام بين الناس. تُعزز هذه الأخوة الشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه الآخرين، وتُشجع على التعاون والتعاطف بين أفراد المجتمع. كما تُقلل من حدة التمييز والكراهية، وتُساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.
يُمكننا أن نرى أثر هذه الأخوة في مختلف مجالات الحياة، كالتعاون في العمل والتطوع لخدمة المجتمع، وتقديم الدعم النفسي والمادي لمن هم في حاجةٍ إليه. إن العمل على نشر هذه الأخوة يبدأ من داخل كل فردٍ منّا، من خلال التعامل مع الآخرين باحترامٍ وتقديرٍ، ونبذ أي شكل من أشكال التمييز، والعمل على إيجاد جوٍّ من التسامح والقبول بين أفراد المجتمع.
المراجع
- سورة الحجرات، آية:13
- الناشر،القيم الإسلامية، صفحة 68. بتصرّف.
- “حقوق غير المسلمين في الإسلام”،الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 31/1/2022.
- رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عدة من أبناء أصحاب النبي، الصفحة أو الرقم:3052، حديث صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم:1003، حديث صحيح.
- رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2792، حديث إسناده صحيح على شرط مسلم.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3166، حديث صحيح.
- رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عمرو بن الحمق، الصفحة أو الرقم:3007، حديث صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1356، حديث صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2543، حديث صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد، الصفحة أو الرقم:1312، حديث صحيح /قوله كنت مع قيس معلق.
- “سيرة الرسول والتآخي الإنساني”،قصة اسلام، اطّلع عليه بتاريخ 31/1/2022. بتصرّف.