جديدٌ في طريقٍ طويل: تحليل لبعض النقاط البارزة في الهجرة النبوية
- الإيمانُ يعني المزيد من القوة
- الهجرةُ بدايةٌ جديدة
- الفداءُ رمز الحبّ الصادق
- الرفقةُ مصباح الطريق وأنسِه
- الخوفُ يسقط في أمان الله
- لذّة النتائج تخفف وطأة الحنين
الإيمانُ يعني المزيد من القوة
لقد كانت هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة المنورة حدثًا مفصليًا في تاريخ الإسلام، وبرزت العديد من النقاط قبل هذه الهجرة التي كشفت عن قوة الإيمان وعمق التصميم عند النبي وصحابته.
بعد ثلاثة عشر عامًا من الدعوة في مكة، أمر الله نبيه محمد بالهجرة لضمان سلامة الدين الإسلامي وتعزيز إيمان المسلمين. لقد وثق النبي – صلى الله عليه وسلم – بأمر الله، وعرف أن الخير في ذلك.
فرضت قريش على المسلمين وعلى بني هاشم حصارًا ظالمًا، مما أدى إلى قطع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية معهم. لقد أصابهم الفقر والجوع الشديد، إلى درجة أنهم كانوا يأكلون أوراق الشجر. ولكنهم وثقوا بأمر الله وقرروا الهجرة إلى المدينة المنورة.
لم تكن قريش راضية عن وجود النبي محمد، بل كانت تسعى لقتله. اجتمعوا على حبس النبي أو طرده، ولكنهم تراجعوا خشية بني هاشم وخشية اجتماع المشركين حوله. وفي النهاية، قرروا قتله بضربة رجل واحد. ولكن الله – سبحانه وتعالى – أرسل جبريل ليخبر النبي بالمؤامرة ويأمره بالهجرة، فأطاع النبي – عليه السلام – أمر الله.
علم جبريل بالمؤامرة التي حيكت حول النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بها. ولم يتردد النبي لحظة واحدة في الهجرة، فقد كان يعلم أن الله لا يريد به إلا الخير. لقد خرج النبي من بيته واثقًا بأمر الله، بعدما نام علي بن أبي طالب مكانه. وقد كان عشرة رجالٍ يحرسون بيت النبي، ولكن الله – عز وجل – خلصه منهم بسلطانه.
الهجرةُ بدايةٌ جديدة
كانت هجرة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بدايةً جديدةً لحياة جديدة مليئة بالدروس والعبر. لقد تغيرت الحياة من مكة إلى المدينة، وبدأت مرحلة جديدة من بناء المجتمع الإسلامي.
أمر النبي محمد أصحابه بالهجرة من مكة لحمايتهم من أذى قريش، ومن التعذيب النفسي والجسدي الذي كانوا يتعرضون له بسبب إيمانهم.
لقد كان قرار الهجرة بعدما اجتمعت قريش على الخلاص من النبي. أخبر جبريل النبي بمخططهم، فطلب من علي أن ينام مكانه وخرج مع أبو بكر إلى المدينة.
لم ير رجال قريش – الذين كانوا يترصدون للنيل من النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – باب بيته عند خروجه، فقد أغشاهم الله في نومٍ عميق وأعمى بصيرتهم.
كان الهدف من هجرة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام الهروب من ظلم وأذى قريش، الذين كانوا يعذبون المسلمين نفسيًا وجسديًا.
من أهم أسباب الهجرة من مكة إلى المدينة حماية الدين الإسلامي والانتقال بالمسلمين إلى مكان أكثر أمانًا ليمارسوا فيه عبادتهم ودعوتهم إلى الله.
من الأهداف السامية للهجرة من مكة إلى المدينة نشر الدين الإسلامي في القبائل المجاورة وحمايته والدفاع عنه وتعريف الناس بهذا الدين الجديد.
هاجر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بعدما منعته قريش من إقامة دين الله في مكة. ولكن حفظ الأرواح ونشر الدين كان له أعظم أهمية.
الفداءُ رمز الحبّ الصادق
لقد كان صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثالًا للفداء والحب الصادق والتضحية.
غامرت أسماء بنت أبي بكر وحملت الطعام لمدة ثلاثة أيام متجهةً صوب غار ثور، حيث كان يختبئ النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – مع أبي بكر الصديق بعدما خرجوا من مكة مهاجرين.
قدم علي بن أبي طالب حياته فداءً للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، حيث نام مكانه كي يؤمن خروج النبي من مكة مع صاحبه أبي بكر فلا ينتبه له أحد.
كان الشاب عامر بن فهيرة يغامر بأن يذهب للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – جالبًا معه أخبار بني قريش بينما كان مختبئًا في الغار وفي ذلك تضحية كبيرة منه.
ضحّى أبو بكر الصديق من أجل صاحبه رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث ترك كل شيء خلفه وخرج معه مهاجرًا صوب مكة المكرمة.
كانت أسماء بنت أبي بكر حاملًا في شهورها الأخيرة، ولكنها سارعت إلى حمل الطعام لأبيها وللنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – لمدة ثلاثة أيام ولم يُكتشف أمرها لكِبر بطنها، ما أعظم تلك التضحية!
كان علي بن أبي طالب أكثر الناس شبهًا بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، حيث طلب منه النبي أن ينام مكانه حتى لا يُكتشف أمر هجرته وفي ذلك خطر كبير عليه، ولكنه ضحّى من أجل النبي ورسالته العظيمة.
كان عبد الله بن أبي بكر يأتي صوب رسول الله وصاحبه أبي بكر وهما في الغار ليبيت عندهم الليلة، ومن ثم يغادر في عتمة الليل ليصل مكة قبيل الفجر حتى تظن قريش أنه بات فيها.
إنّ الصبر على مشقة السفر وقطع الطرقات من أجَلّ وأسمى الصفات التي ينبغي أن يتحلّى بها المسلمون، فبعد الصبر لا يجد الإنسان إلا حلاوة النصر.
الرفقةُ مصباح الطريق وأنسِهما
أجمل الرفقة الصالحة التي يختارها الإنسان من أجل السير معها ومرافقتها في الطرقات وإيناسها، فكيف إن كان أبو بكر الصديق هو رفيق النبي الأمّي محمد – صلى الله عليه وسلم -، النبي الذي لو قلنا فيه كل ما يمكن أن يقال، لما وفيناه حقه:
رافق الصحابي الجليل أبو بكر الصديق صاحبه النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أثناء هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وكان خير مثال للصاحب في السفر.
كان عامر بن فهيرة يأتي خلف عبد الله بن أبي بكر بأغنامه ليطمس آثار مسيره، حيث كان يأتي إلى النبي وأبو بكر ليبيت عندهم ليلته ويخرج في عتمة الليل.
ما أرقّ ذلك الصحابي المُكنّى بعبد الله بن أبي بكر الذي كان يُصاحب النبيّ محمد وأبا بكر الصديق ويأتي إليهم في الليل في غار ثور ليبيت الليل عندهم ويغادر في عتمة الليل قبل طلوع الفجر، إيناسًا منه للنبي الكريم وصاحبه.
لم يركن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى الأسباب والاحتياطات كافة التي اتّخذها من أجل الهجرة إلى مكة، ولكنه كان متوكلًا على الله خير توكل هو وصاحبه أبو بكر الصديق.
أوجس أبو بكر الصديق خيفةً عندما رأى كفار قريش يقتربون من الغار ولكن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – طمأنه وأخبره أن الله ثالثهما، فوثق هذا الصاحب بكلام نبي الرحمة.
وضعت قريش مكافئة لمن يحضر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – حيًّا أو ميتًا، وكانت المكافئة مائة رأس من الإبل، وحينما سمع سراقة بذلك خرج باحثًا عن الرسول وصاحبه ولكنه لم يفلح وغاصت قدما فرسه في الرمال.
نظم الشعراء قصائد عن الهجرة النبوية الشريفة، وفي ذلك دلالة واضحة على مكانة الهجرة النبوية الشريفة بين المسلمين فنظموا فيها الأشعار التي تغنوا بها لاحقًا.
إنّ الرفقة الصالحة مِن أجلّ وأعظم ما يُمكن أن يحرص عليه الإنسان في حياته؛ لأنّ الصاحب الجيد يقود المرء نحو خيره وصلاحه، أما رفيق السوء فهو وبال على الإنسان أثناء سفره وإقامته.
الخوفُ يسقط في أمان الله
يخاف المرء في حياته ويظن أنه ليس هناك منجى مما هو فيه، ولكن الأمان الذي يمنحنا الله إياه ينجينا من بكل خوف. وهذا يتجلى في هجرة النبي وما لاقه في الطريق:
عندما خرج سراقة بن مالك للإمساك بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – غاصت قدم فرسه في الرمل ولم يستطيع التقدم أكثر، فأخبر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بما كان قد جاء لأجله ووعده ألّا يُخبر قريش بذلك شرط إعطائه مكافأة فعاد ولم يخبر أحدًا بما رآه.
اقترح أبو بكر الصديق على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يُهاجر معه خوفًا عليه وحبًّا له، فوافق النبي محمد وخرجا معًا.
كان أبو بكر الصديق يمشي خلف رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – مرة، ومرةً يمشي أمامه وذلك لحماية ظهره من أيّ أذىً.
عندما وصل النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه أبو بكر غار ثور، لم يسمح أبو بكر بدخول النبي ودخل قبله ليتفقد المكان ويطمئن أنه لا مخاطر فيه وفي ذلك حماية للنبي الكريم.
واجه النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر الكثير من المخاطر أثناء خروجهما من مكة مهاجرين ولكن الله يسّر لهم سبل النجاة كافة بالرغم من اقتراب رجال قريش المشركين منه ومن صاحبه كثيرًا.
يسر الله عز وجل رمالًا غرزت فيها قدم فرس سراقة بن مالك الذي لحق بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حتى لا يستطيع سراقة الوصول إليهما.
كان عامر بن فهيرة وهو راعٍ لأغنام أبي بكر الصديق يخرج خلف عبد الله بن أبي بكرٍ بالأغنام من أجل إخفاء آثار قدميه بعد مبيته مع الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وعودته قبل الفجر وفي عتمة الليل كي لا يُكتشف أمره من قِبل قريش.
خاف أبو بكر الصديق من اقتراب قريش له مع رسول الله بينما كانا في الغار، ولكن النبي طمأنه بالرغم من أنّ رجال قريش لو نظروا أسفل أقدامهم لرأوهم، ولكن حِفْظ الله ورعايته منعت قريش من رؤيتهم فقد أعمى الله عز وجل بصائرهم.
لذّة النتائج تخفف وطأة الحنين
بعدما هاجر الصحابة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واجهوا معاناة نفسية جرّاء تركهم لمنازلهم وهجرتهم صوب المدينة، ولكن تلك النتائج المبهرة التي حققوها جعلتهم راضين:
كان للهجرة النبوية الشريفة العديد من النتائج التي أسعدت المسلمين، وهي نتائج عادت عليهم وعلى الدعوة الإسلامية بالخير الكثير.
تمكّن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – من خلال هجرته إقامة دولة إسلامية منظمة حاربت الباطل وأقامت الحق، ومنعت الفساد وخلصت المجتمع من الفوارق بين الناس.
أسهمت الهجرة النبوية الشريفة إلى يثرب في تأسيس مجتمع إسلامي يحمل في طياته العديد من الأخلاق الحميدة وحب الغير والإيثار بين الناس، كما حمل رسالة الإسلام بكل أمانة.
كانت العديد من الأسس سببًا لقيام الدولة الإسلامية، فقد عبدوا الله وحده لا شريك له ووحّدوا كلمتهم في سبيل نصرة الإسلام.
تآخى المسلمون مع سكان المدينة بعدما هاجروا إليها فتقاسموا أموالهم وأمتعتهم وكل ما يملكون من أجل دعم إخوتهم المهاجرين والتخفيف من وطأة تركهم لأوطانهم وبعدهم عن ممتلكاتهم.
قام النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – ببناء مسجدٍ بعدما وصل مباشرة إلى المدينة، حيث ساعد المسلمون في بنائه ومدّوا له يد العون غير مكترثين بالتعب، وكان أول بنائه من الحجارة وأعمدته من جذوع النخل وسقفه من الجريد.
عقد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – عهدًا مع اليهود أن يكونوا جزءًا من الدولة الإسلامية ويردّون مع المسلمين أيّ عدوان يقع عليهم من أي جهة.
كانت هجرة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بدايةً جديدةً لنصرة الدين الإسلامي ونشره، كما كانت خطوةً مهمة نحو تحقيق الأمن والسلام للمسلمين الذين كانوا قد تعرضوا للكثير من الأذى بسبب ظلم المشركين لهم.
كم واجه الصحابة الكرام ونبي الرحمة أثناء هجرتهم من مكة للمدينة، خاصّة أنّهم يجهلون المصير الذي سيلاقونه من هجرتهم تلك، ولكن ثقتهم العظيمة بالله دفعتهم للاطمئنان والسير قُدُمًا.