محتويات
شخصيات تراثية غنية بالفكاهة
تُزين تراث الشعوب شخصياتٌ خيالية غريبة تتماشى مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها تلك الشعوب. تُروى حول تلك الشخصيات حكاياتٌ مضحكة تمتزج فيها الذكاء والدهاء أحيانًا، والسذاجة أحيانًا أخرى، مما يُسلي الناس ويُمتعهم.
تُعدّ شخصية جحا وأشعب وأبو القاسم الطنبوري من أشهر تلك الشخصيات عند العرب. سنُسلط الضوء في هذا المقال على شخصية أبو قاسم الطنبوري، ونتعرف على إحدى أشهر الحكايات التي رويت عنه.
أبو قاسم الطنبوري: تاجر بغداد البخيل
كان أبو قاسم الطنبوري تاجرًا من سكان مدينة بغداد، اشتهر ببخلِه رغم غناه الفاحش. رويت عنه العديد من القصص والطرائف التي تناقلتها الكتب المهتمة بأدب النوادر. أشهر تلك القصص هي حكاية حذائه، التي حظيت باهتمامٍ كبير، حتى أنّها أُعيدت سردها في العديد من المسلسلات التلفزيونية.
حذاءٌ يُجلب المشاكل
تُروى قصة حذاء أبو قاسم الطنبوري كالآتي: كان لدى الطنبوري حذاءٌ قديم، يُصلحُهُ كلّما تآكل جزء منه بقطعة قماش أو جلد، حتى أصبح مملوءًا بالرقع. اشتهر ذلك الحذاء بين الناس، فصار يُضرب به المثل عند الحديث عن أي شيءٍ ثقيل يُصعب التخلص منه: “أثقل من مداس أبو قاسم الطنبوري”.
أراد الطنبوري التخلص من حذائه المُشؤوم، لكنه كان يُجني المتاعب في كل مرةٍ يُحاول فيها التخلص منه. ففي المرة الأولى، رمى الحذاء في مرمى القمامة، ثم اشترى زجاجةً عطرًا ووضعها على رف في البيت. لكنّه لم ينتبه أنّ رجلًا مرّ بجانب مرمى القمامة، فشاهد حذاء الطنبوري، وظنّ أنّ أحد الأطفال الأشقياء هو من رمى به، فحملَهُ ورماه من نافذة بيت الطنبوري. اصطدم الحذاء بقارورة العطر، فانكسرت، فعاد الطنبوري ليُمسك بالحذاء، ورمى به في النهر.
عثر صياد على حذاء الطنبوري، وأعاده له. وضع الطنبوري الحذاء على سطح منزله لكي يجفّ، لكنّ قطةً جاءت إليه ظنًّا منها أنه قطعة لحم، وحملته بفمها. رأى الطنبوري ذلك، فنهر القطة، فهربت وهي تحمل الحذاء، وبدأت تقفز على أسطح المنازل، فسقط الحذاء على امرأة حامل، فأجهضت. حمل زوج المرأة الحذاء، واشتكى إلى القاضي، فحكم عليه بدفع ديّة الجنين، وعاقبه على إيذائه لجيرانه، وأعاد له الحذاء.
قرر الطنبوري التخلص من الحذاء برميه في مجرى صرف صحي، لكنّ المجرى فاض بعد يومين من رمي الحذاء، وآذت الفيضان الناس. ذهب عمالٌ لتنظيف المجرى المسدود، فوجدوا أنّ السبب هو حذاء الطنبوري. نتج عن ذلك حبس الطنبوري وجلده، ثم أعاد له الحذاء.
عزم الطنبوري على دفن الحذاء في حفرةٍ حفرها ليلاً، لكنّ جيرانه اشتكوا للشرطة ظنًّا منهم أنّه يُحاول السرقة، فحُبس مجددًا، وأعيد له الحذاء.
ذهب الطنبوري إلى الحمام العام، وترك حذائه فيه، فصادف أن الأمير كان في الحمام. سرق أحدهم حذاء الأمير، وللمُحافظة على الأمن، انتظر الحراس لمعرفة صاحب آخر حذاءٍ متبقٍّ ظنًّا منهم أنّه سيكون السارق. كان آخر حذاءٍ متبقٍّ هو حذاء الطنبوري، فحُكم عليه بتهمة سرقة الحذاء.
رأى الطنبوري أنّ الحلّ الوحيد هو دفن الحذاء في صحراءٍ خارج بغداد. بدأ الحفر، لكنّ حراسًا داهموه وساقوه إلى السجن، ورفع أمره إلى القاضي ظنًّا منهم أنّه قتل رجلًا عُثر عليه مقتولًا في المكان. عانى الطنبوري كثيراً حتى أثبت براءته، فأطلق سراحه القاضي، لكنّه أدّبه على إزعاج الحراس الذين كُلّفوا بمراقبة المكان لسببٍ تافهٍ هو دفن الحذاء.
طلب الطنبوري من القاضي أن يكتب له صكّ ببراءته من الحذاء لما أحدثه له من متاعب. صار يُضرب بحذائه المثل عند الحديث عن أي شيءٍ مشؤومٍ يصعب التخلص منه، فيقال: “مثل حذاء الطنبوري”.