جدول المحتويات
- همته العالية في الدعوة إلى الله
- صحبته للنبي الكريم ونصرته
- أخلاق أبي بكر الصديق
- عصر أبي بكر الصديق
- الخلاصة
- المراجع
همته العالية في الدعوة إلى الله
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كان أول من أسلم مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من الرجال. [١] بدءاً من ذلك اليوم، أصبح أبو بكر داعيةً مخلصاً لرسالة التوحيد، وهو يُظهر حماساً كبيراً في نشر هذه الرسالة. كان رجلاً محبوباً بين قومه، متواضعاً في تعامله، و ُيسهل عليه أن يفهم ما يناسبهم. تميز بأخلاقه العالية التي جعلت الناس يلجأون إليه في شؤونهم المختلفة. عرف أبو بكر الصديق بكونه عالماً وتاجراً، و ُبرع في فن المجالسة والحديث. كان يُوظّف مهاراته و ُمقدرته في التواصل مع الآخرين لنشر الإسلام، وعلى يديه ُأسلِم العديد من الصحابة الكرام، منهم الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، و ُطلحة بن عبيد الله، و ُسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف. استمع هؤلاء إلى دعوته، و ُأخذهم أبو بكر الصديق إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لكي يتعرفوا على الإسلام وعلى القرآن الكريم. فكان هؤلاء من ُسابقين إلى الإسلام، [٢][٣] وأصبحوا جنوداً مخلصين لرسول الله، دافعين عنه. [٤]
صحبته للنبي الكريم ونصرته
رافق أبو بكر رسول الله في الهجرة من مكة إلى المدينة. عندما وصلا إلى غار ثور، طلب من رسول الله أن يدخل الغار قبل ُه ليتفقده خوفاً من أن يصيبه أذى. قال تعالى: (إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ). [٥][٦]
كان أبو بكر من أحب الناس إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-. ففي حديث عمرو بن العاص قال:(أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَهُ علَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فأتَيْتُهُ فَقُلتُ: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أبُوهَا). [٧][٨]
عاهد أبو بكر نفسه على تصديق رسول الله في كل ما يخبر ُه به دون شكّ، و ُأظهر ذلك بوضوح عندما أخبره المشركون عن حادثة الإسراء والمعراج، فردّ عليهم قائلاً: “إن كان قال فقد صدق.” [٩]
استمرت صحبة أبي بكر لرسول الله منذ أن بعثه الله إلى أن توفاه، و ُبرزت مكانة أبو بكر وأفضليته في اختياره رفيقاً لرسول الله في الهجرة من مكة إلى المدينة، ومناصرته له، و ُحرصه على ألا يحزن. كان ُالصاحب الوحيد لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في العديد من المواقف، منها حادثة العريش في يوم بدر، حيث لم يكن مع رسول الله سواه. طوال حياة رسول الله، كان أبو بكر صاحبه ومرافقه، ومشاركاً له في اختصاص الله لهما بالمعية والتأييد والحفظ. [١٠]
أخلاق أبي بكر الصديق
تميزت شخصية أبو بكر الصديق بالعديد من الصفات الحميدة التي ُبينت أخلاقه الكريمة. من أهم هذه الصفات:
المسابقة إلى الخير
اتصف أبو بكر الصدّيق بأرفع الأخلاق وأحسنها، فكان سبّاقاً للخيرات لا يسبقه إليها أحد. ومن ذلك ما يرويه أبو هريرة أنّ رسول الله سأل أصحابه:(مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنْكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ). [١١][١٢]
ومنه ما رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:(ما نفعَني مالٌ قطُّ، ما نفَعني مالُ أبي بَكرٍ، قالَ: فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ: يا رسولَ اللَّهِ! هل أنا ومالي إلَّا لَكَ يا رسولَ اللَّهِ!)، [١٣][١٤]
في الهجرة، لمّا خرج رسول الله وأبو بكر، أخذ أبو بكر ماله كلّه في سبيل الله، وكان قد بلغ ما بين الخمسة والستة آلاف. [١٥]
أراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يسبقه في الإنفاق، ففي يوم من الأيام أمرهم رسول الله بالصدقة، فجاء عمر بنصف ماله، وجاء أبو بكر بماله كلّه، فسأله رسول الله:(ما أبقيتَ لأهلِكَ ؟ قلتُ مثلهُ، وأتى أبو بَكرٍ بكُلِّ ما عنده، فقال يا أبا بكرٍ: ما أبقيتَ لأهلِكَ ؟ فقال: أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ، قلتُ : لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا). [١٦][١٧]
وكذلك فعل في غزوة تبوك، فقد قام بتجهيز جيش الغزوة كاملاً، وكان يتميّز بكثرة شراء العبيد وعتقهم. [١٨]
اتصافه بالرفق واللين والتواضع والحلم
تميّز أبو بكر الصديق بأنه كان رجلاً أسيفاً، بمعنى أنّه امتلك قلباً رقيقاً رحيماً، [١٩] سرعان ما تدمع عيناه فيبكي. قالت عائشة -رضي الله عنها- تصفه:(وكانَ أبو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذَا قَرَأَ القُرْآنَ). [٢٠][٢١]
وقد ساعدته رقة قلبه ورحمته لأن يكون قريب القلب من الخلق، يقتربون منه ويتوددون إليه. وما ذلك إلّا لحكمة من الله بأن يكون أبا بكر المناصر والمعين الأول لرسول الله في دعوته، فقال فيه رسول الله:(أرحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكرٍ). [٢٢][٢٣]
كان عمر بن الخطاب يعتني بعجوزٍ عمياء، فيذهب إليها يقضي لها حاجاتها ويحضر لها الماء. ولكنه كان يجد من سبقه إليها، فعلم أنّ الذي يسبقه إنّما هو أبو بكر، وكان حينها خليفةً للمسلمين. [٢٤] وذلك ممّا يدل على تواضعه. وكان حليماً أيضاً، ففي يوم جاءه الحسن بن علي وهو على المنبر، فقال له: “انزل عن منبر أبي”، فقال: “صدقت”، وأخذه في حجره وبكى. [٢٥] وكان يحرص على ألا يغضب إلّا لله، وألا يغضب رسول الله. [٢٦]
عصر أبي بكر الصديق
عاصر أبو بكر الصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصعب الأوقات، التي قل فيها المسلمون، ولم يكن الإسلام قد قويت شوكته. ضرب أبو بكر الصديق أروع أمثلة الولاء والنصرة للنبي، و ُالإسلام.
بعد وفاة النبي، مرّ المسلمون بظروف متزعزعة. عمل أبو بكر الصديق على إحلال الاستقرار في المجتمع المسلم، وأكمل ما بدأه النبي، و ُظهرت منجزات أبي بكر المتسقة مع عصره من خلال ما يأتي.
ثباته ورباطة جأشه في أصعب المواقف
ظهر حزم أبي بكر واضحاً يوم وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-. [١٨] فإن عمر بن الخطاب قال: “والله ما مات رسول الله”، أمّا أبو بكر فأقبل إلى رسول الله ورفع الغطاء عن وجهه وقبّله، وقال: “بأبي أنت وأمي، طبت حيّاً وميّتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً، ثمّ خرج إلى الناس وقال: “أيها الحالف على رسلك، فجلس عمر.” [٢٧]
أتمّ أبو بكر حمد الله و ُثني عليه وقال:(فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما مُحَمَّدٌ إلَّا رَسولٌ قدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى {الشَّاكِرِينَ} واللَّهِ لَكَأنَّ النَّاسَ لَمْ يَكونُوا يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَتَلَقَّاهَا منه النَّاسُ، فَما يُسْمَعُ بَشَرٌ إلَّا يَتْلُوهَا).[٢٨][٢٩]
جمع القرآن في عصر أبي بكر الصديق
استشهد العديد من حفظة القرآن الكريم في عهد أبو بكر الصدّيق، فخاف الصحابة من ضياع القرآن الكريم بموت حفظته. دفعهم هذا الأمر إلى جمع القرآن الكريم في مصحف واحد. جاءت فكرة الجمع من عمر بن الخطاب، فقال لأبي بكر:(إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجَمْعِ القُرْآنِ)، [٣٠] وافق أبو بكر الصديق على جمع القرآن، وأوكل المهمة لزيد بن ثابت.
كان زيد بن ثابت شاباً ذكياً فطناً عدلاً ضابطاً، حسن الخط، إضافةً إلى أنّه كان من كتّاب الوحي، وكان شاهداً على العرضة الأخيرة التي عرض بها رسول الله القرآن قبل وفاته. اعتمد زيد في جمع القرآن على ما حُفظ في الصدور، وما كُتب في السطور، واشترط في المكتوب أن يشهد عليه شاهدين على أنّه كتب بين يدي رسول الله، مع مطابقته لما حُفظ في الصدور. أخذ الجمع منه ما يقرب من الخمسة عشر شهراً، وبقيت النسخة عند أبي بكر إلى وفاته. تميزت النسخة بترتيب السور والآيات، واقتصاره على ما هو من القرآن فقط، واشتملت على الحروف السبعة. بالإضافة إلى ذلك، أجمع الصحابة على صحته ودقته. [٣١]
الخلاصة
اتصف أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- بالعديد من الصفات، و ُامتاز بالكثير من الفضائل والخصائص. كان أوّل من أسلم من الرجال، وساعد في نشر رسالة الإسلام، فأسلم على يده الكثير من الصحابة السابقين إلى الإسلام. اتصف بالحلم بالرّفق والحلم واللين، و ُالتواضع، و ُالحلم، وكان سباقاً إلى الخير. هو ُالذي اختاره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليكون رفيقه في الهجرة. امتاز عصره بجمع القرآن الكريم في مصحف واحد، بعد أن كان متفرّقاً عن الصحابة مكتوباً ومحفوظاً في صدورهم.
المراجع
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 288. بتصرّف.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 292. بتصرّف.
- الكاندهلوي، محمد. حياة الصحابة. الطبعة 1. بيروت: مؤسسة الرسالة. 1999. صفحة 217، جزء 1. بتصرّف.
- العازمي، موسى. اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون. الطبعة 1. الكويت: المكتبة العامرية. 2011. صفحة 205، جزء 1. بتصرّف.
- سورة التوبة ، آية:40
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 292-293. بتصرّف.
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عمرو بن العاص ، الصفحة أو الرقم:3662، صحيح.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 299. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين. التعريف بالإسلام. صفحة 285. بتصرّف.
- بن قاسم، محمد. أبو بكر الصديق أفضَلُ الصَّحَابة، وَأحقّهم بالخِلافة. صفحة 29-33. بتصرّف.
- رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:1028، صحيح.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 312-313. بتصرّف.
- رواه الألباني ، في صحيح ابن ماجه ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:77، صحيح.
- النسائي. السنن الكبرى. الطبعة 1. بيروت: مؤسسة الرسالة. 2001. صفحة 296، جزء 7.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 298. بتصرّف.
- رواه الترمذي ، في سنن الترمذي ، عن عمر بن الخطاب ، الصفحة أو الرقم:3675، حسن صحيح.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 298. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين. التعريف بالإسلام. صفحة 285. بتصرّف.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 285. بتصرّف.
- رواه لبخاري ، في صحيح البخاري ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:476، صحيح.
- الخراز، خالد. موسوعة الأخلاق. الطبعة 1. الكويت: مكتبة أهل الأثر. 2009. صفحة 184. بتصرّف.
- رواه ابن القطان ، في الوهم والإيهام ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:424، حسن أو صحيح.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 289. بتصرّف.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 297. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. صفحة 167. بتصرّف.
- عويضة، محمد. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب. صفحة 313. بتصرّف.
- السهيل. الروض الأنف في شرح السيرة النبوية. الطبعة 1. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 1412. صفحة 583، جزء 7. بتصرّف.
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عباس ، الصفحة أو الرقم:1242، صحيح.
- الزرقاني، محمد. شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية. الطبعة 1. بيروت: دار الكتب العلمية. 1996. صفحة 136-137، جزء 12. بتصرّف.
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن زيد بن ثابت ، الصفحة أو الرقم:4986، صحيح.
- العبيد، علي. جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة. صفحة 34-40. بتصرّف.