رحلة عبر تاريخ الفكر الإداري
يمثل تاريخ الإدارة رحلة طويلة من الاكتشافات والتطورات، حيث عملت العديد من الشخصيات الرائدة على صياغة المفاهيم والمبادئ التي تحكم عالم العمل. نستكشف في هذا المقال بعضًا من أبرز رواد الفكر الإداري الذين أثرّوا على عالم إدارة الأعمال بشكلٍ كبير.
هنري فايول: رائد الإدارة العلمية
يُعدّ هنري فايول، الذي عاش بين عامي 1841 و1925، من أبرز الشخصيات التي ساهمت في وضع أسس الفكر الإداري. عمل فايول كمهندس تعدين في إحدى الشركات الفرنسية، وترقى في منصبه ليصبح رئيس مجلس الإدارة. خلال فترة عمله، نجح في تحسين الوضع المالي للشركة التي كانت تمرّ بمرحلة سيئة، وذلك من خلال تطبيق مبادئه المميزة في الإدارة.
من أبرز مبادئ هنري فايول:[1]
- التخطيط: إعداد خططٍ سنوية وعشرية، والعمل وفقًا لها.
- التنظيم: وضع هيكل واضح للمؤسسة وتحديد المسؤوليات.
- التوجيه: قيادة الفريق وتحفيزهم على تحقيق الأهداف.
- التنسيق: ضمان التعاون والتكامل بين الأجزاء المختلفة للمؤسسة.
- المراقبة: متابعة أداء الموظفين وتقييم النتائج.
ليندل أورويك: مؤسس نظرية المؤسسات
يُعتبر ليندل أورويك (1891-1983) من الشخصيات التي أثرت بشكلٍ كبير في تطوير ممارسات الإدارة الحديثة. عمل كمستشار إداري، ونشر طرق الإدارة العلمية الممنهجة من خلال مساعدة المؤسسات على تطوير أدائها. ركز أورويك على نظرية المؤسسات، والتي تقوم على أساس المهام الإدارية بشكل عام، بالإضافة إلى بعض التعليمات العامة للمؤسسات، مثل أهمية توافق السلطة الممنوحة مع المسؤوليات الموكلة.
أهم مبادئ ليندل أورويك لتحقيق أفضل النتائج في الإدارة:[3]
- الأهداف: تحديد أهداف الشركة أو المؤسسة كسبب لوجودها.
- التخصصية: تحديد وظيفة محددة لكل مجموعة عمل.
- السلطة: تحديد سلطة كل مجموعة منظمة، ووجود خط سلطة واضح للجميع.
- المسؤولية: تحمل المسؤولين لمسؤولية أخطاء مرؤوسيهم.
- التعريف والوضوح: تحديد واضح لكل وظيفة، أو مهمة، أو علاقة.
- المراسلات: توصيل المعلومات بشكلٍ صحيح في كل موقع، أو مسؤولية، أو سلطة.
- التوازن: أهمية المحافظة على التوازن بين وحدات المؤسسات.
- الاستمرارية: دعم إعادة تنظيم المؤسسات بشكلٍ مستمر.
ماري فوليت: رائدة العلاقات الإنسانية
ماري فوليت (1868-1933)، عاملة اجتماعية ورائدة في مجال العلاقات الإنسانية، أصبحت لاحقًا رئيسة لجنة اتحاد البلديات النسائية. ساعدت على فتح مركز اجتماعي في مدرسة بوسطن الشرقية العليا، ثم شغلت منصب نائب الرئيس لجمعية المركز المجتمع الوطني.
ركزت فوليت على نشر الكتب المتعلقة بالطبيعة الإنسانية للحكومات، والديمقراطية، ودور المجتمع المحلي. بعد ذلك، انتقل اهتمامها إلى عالم الأعمال وأصبحت مستشارة إدارية رائدة. تُعَد فوليت من المبادرين الذين خرجوا بأفكار أساسية في النظريات التنظيمية وإدارة المؤسسات، مثل:[4]
- الحلول المعتمدة على المجتمع.
- اكتشاف القوة في الاختلاف والتعددية بين البشر.
- التركيز على كيفية سير العمليات.
رنسيس ليكرث: رائد الإدارة التشاركية
رنسيس ليكرث (1903-1982) عالم اجتماعي أمريكي ركز على دراسة اتجاهات البشر وعوامل التأثير عليها، طوّر طريقة لقياس السلوك تُعرف اليوم باسم مقياس ليكرث (Likert Scale)، والتي تستخدم لتحديد المواقف والاتجاهات من خلال خيارات مختلفة.
أهم مساهمة ليكرث هي نظرية الإدارة التشاركية (Participative management theory) التي تُشير إلى أن القوى العاملة الحديثة أصبحت أكثر استقلالية، وأن الإدارات التي تُكافئ المبادرة الذاتية لدى الموظفين وتشجع مشاركتهم في اتخاذ القرارات تستفيد من زيادة الإنتاجية.
قسم ليكرث أنظمة الإدارة إلى أربعة أنظمة مختلفة:[3]
- النظام الأول السلطوي الاستغلالي: تستخدم الإدارة عامل الترهيب والتهديد، ويكون التواصل ضعيفاً، بالإضافة إلى شعور الانفصال والبعد بين المسؤولين والمرؤوسين. يتخذ رأس المؤسسة معظم القرارات في هذا النظام.
- النظام الثاني السلطوي الرحيم: تستخدم الإدارة نظام المكافآت، ويكون المرؤوسون تابعين لمسؤوليهم. المعلومات التي تصل إلى المدير غير كاملة وتقتصر على ما يريد سماعه. يتخذ المسؤول معظم القرارات في هذا النظام.
- النظام الثالث الاستشاري: تستخدم الإدارة نظام المكافآت والعقوبات في بعض الأحيان. هناك سعي لإشراك الموظفين، وتواصل بين الجهات العليا والدنيا، ولكن المعلومات التي تصل إلى المدير عادة ما تكون محددة بما يريد سماعه. يملك المرؤوسون بعض التأثير في اتخاذ القرارات في هذا النظام.
- النظام الرابع الإدارة التشاركية: تسعى الإدارة لإشراك الموظفين في وضع الأهداف وطرق العمل، ويكون التواصل دقيقاً بدون فصل بين المسؤولين والمرؤوسين. يتم اتخاذ القرارات على مستوى المنظمة كاملة. يُعد هذا النظام ذو الإنتاجية الأعلى.
خلال رحلة الفكر الإداري، نجد أن كلّ رائد من رواد الفكر الإداري قد ترك بصمته، واستطاع أن يُغيّر من طبيعة العمل في المؤسسات. وقد استفادت من تجربتهم كُل من جاء من بعدهم. ونلاحظ أنّ الفكر الإداري لا زال في طور التطور، وأنّ العديد من النظريات الجديدة ستظهر في المستقبل لتواكب تغيرات العالم في القرن الحادي والعشرين.