محتويات |
---|
سياق نزول الآية الكريمة |
تفسير آية (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً) |
بر الوالدين وإن كانا مشركين |
أهمية بر الوالدين في الإسلام |
المراجع |
سياق نزول الآية الكريمة
تُروى قصة نزول الآية الكريمة (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) [٢][٣] عَن الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-. فبعد إسلامه، رفضت أمه حمنة بنت سفيان إطعام نفسها أو شرب الماء، بل وقطعت علاقتها به تماماً، مطالبته بالتخلي عن الإسلام والرجوع إلى دينها القديم. حاول سعد بشتى الطرق إرضاء أمه، إلا أن إصرارها استمرّ لثلاثة أيام، حتى أُغمي عليها من شدة الجوع والعطش. فشكا سعد حال أمه للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية المباركة.
رفضت الأمّ رغم محبة سعد لها، مُصرّة على إجباره على ترك الإسلام، مُعلّلة ذلك بقولها: “زعمت أنّ الله أوصاك بوالديك، فأنا أمّك وأنا آمرك أن تترك الإسلام”. وهنا تكمن دلالة الآية على التوازن بين بر الوالدين والتسليم لأمر الله تعالى.
بيان معاني آية (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً)
تُشير كلمة (وَوَصَّيْنَا) إلى العهد والوعد الإلهي بأداء البرّ للوالدين. والبرّ هنا ليس مجرد إعطاء المال، بل يشمل الإحسان في القول والفعل والمال. الإحسان في القول يتمثل بإظهار الاحترام والرفق في الكلام معهما، والابتعاد عن الجفاء والمقاطعة بأسلوب كريّم كما في قوله تعالى: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)[٧].
أما الإحسان في الفعل، فيشمل خدمتهما، وإظهار الاحترام والتقدير لهما بالفعل ، وإكرامهما وخدمتهما كما في قوله تعالى: (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ) [٨][٦]. و أخيراً، الإحسان في المال يتطلب الإنفاق عليهما وإعانتهما مادياً، وذلك بما يستطيع الإنسان بحيث لا يحتاجان إلى شيء، مع مراعاة حالته المادية كما في قوله تعالى: (وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ)[٩]. فلا يكتمل البرّ إلاّ بالتوفيق بين هذه الجوانب الثلاث معاً.
معاملة الوالدين وإن كانا على دين آخر
يُؤكد الإسلام على وجوب بر الوالدين حتى وإن كانا مشركين. فالله سبحانه وتعالى أمر بمعاملتهما بالمعروف في الدنيا، مع التمسك بالحقّ في الدين، موضحاً ذلك في قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [١١][١٠]. فهنا يبرز التوازن بين طاعة الله وطاعة الوالدين في الأمور الدنيوية.
وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- بصلة أمها الكافرة، كما في الحديث الصحيح الذي يروى عنها: (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ) [١٢][١٣]. وهذا يُظهر أهمية صلة الرحم وإحسان البرّ حتى مع اختلاف الديانات.
فضل برّ الوالدين ومكانته العظيمة
يُبرز القرآن والسُنة أهمية برّ الوالدين وإحسان معاملتهما بأشكال متعددة. فهو طاعة لله وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا) [١٥]. وهو سبيلٌ إلى دخول الجنة، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ) [١٦].
كما أنّه شكرٌ لما قدماه الوالدان من عناية وتربية في الصغر، كما في قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [١٧]. ويُؤدي إلى انتشار المحبة والألفة في الأُسرة، كما هو سبباً للحصول على مثل هذا البرّ من الأبناء في المستقبل، كما في قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [١٨]. فبرّ الوالدين هو مبدأٌ أساسيٌّ في بناء مجتمع سليم قائم على الترابط والمحبة.
المراجع
سيتم إضافة المراجع لاحقاً.