فهم الاختلاف بين الناس من خلال القرآن الكريم
يُسلط القرآن الكريم الضوء على تنوع البشرية، وكيفية تعاملهم مع الاختلافات، سواء أكانت في اللون أو اللغة أو العِرق، أو في الدين والعقائد. تُعتبر هذه الآيات بمثابة دليل إرشادي لفهم وتقبل التنوع البشري، ونبذ أي شكل من أشكال التمييز.
الاختلاف في المظهر واللغة
يؤكد القرآن الكريم أن الله خلق البشر مختلفين في الشكل واللون، وجعلهم شعوبًا وقبائل متنوعة. يهدف هذا الاختلاف إلى التعرف والتعايش بين البشر، وليس لخلق التفرقة أو العداء. تُذكر هذه الحكمة في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
سورة الحجرات، آية:13
وتُعزز آيات أخرى هذا المعنى، مُشددة على تنوع الألوان والأنواع في عالم الحيوان والنبات، مؤكدة أن الله هو الخالق ذو القدرة والقوة:
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).
سورة فاطر، آية:28
وكذلك تُشير الآية التالية إلى اختلاف لغات البشر، كدليل على قدرة الله وعظمته:
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ).
سورة الروم، آية:22
الاختلاف في العقيدة
يُؤكد القرآن الكريم على حرية الإنسان في اختيار طريق حياته، سواء كان طريق الهدى أو طريق الضلال. يُعطي الله الإنسان فرصة للتأمل والتفكير، ويتولى هداية من يشاء:
(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
سورة المائدة، آية:48
يُوضح القرآن الكريم أيضًا أنه لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، لكن اختار الله اختبار البشر في اختياراتهم. ويؤكد على أن الله هو الهدف النهائي للجميع، وأن الاختلافات ستُحل في يوم الحساب:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).
سورة هود، آية:118
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
سورة النحل، آية:93
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).
سورة الشورى، آية:8
(وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
سورة الأعراف، آية:168
أمم الأنبياء: وحدة التوحيد
على الرغم من اختلاف الناس في اللون واللغة والدين، يُؤكد القرآن الكريم على أن جميع الأنبياء حملوا رسالة التوحيد نفسها. يشير القرآن الكريم إلى أن البشر كانوا أمة واحدة في البداية، ثم اختلفت آراؤهم فيما بعد:
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
سورة البقرة، آية:213
وتُؤكد الآيات التالية على رسالة التوحيد كقاسم مشترك بين المؤمنين، وأن جميع الأنبياء دُعوا لخدمة أمة واحدة:
(إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
سورة الانبياء، آية:92
(وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
سورة المؤمنون، آية:52
(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
سورة يونس، آية:19
وبالتالي، يُمكن القول إنّ فهم الاختلافات في العرق واللون واللغة والدين لا يُمكن أن يكون سببًا للعداوة أو التفرقة، بل هو دعوة للتعايش والتعاون والعمل على التوحيد كهدف مشترك.