- مقدمة عن شيشرون وأنظمة الحكم
- وجهة نظر شيشرون في النظام الملكي
- تصور شيشرون للنظام الأرستقراطي
- تقييم شيشرون للديمقراطية
- نظام الحكم المدمج في نظر شيشرون
- نظرة شيشرون إلى القوة والسلطة
- مفهوم شيشرون للقانون والدستور
- الدولة والشعب في فكر شيشرون
- العدالة من منظور شيشرون
- تأثير المدرسة الرواقية على أفكار شيشرون السياسية
- أعمال شيشرون السياسية
مقدمة عن شيشرون وأنظمة الحكم
تأثر السياسي والمفكر والكاتب الروماني شيشرون بشكل ملحوظ بأفكار أرسطو في ما يتعلق بأنظمة الحكم. وقد صنفها إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الحكم الملكي الفردي، الحكم الأرستقراطي، والحكم الديمقراطي. وبناءً على ذلك، رأى أن السلطة السياسية تنبع من المجتمع والإنسان، وأن أهم ما يميزها هو السيادة. وقد استند في تفسير هذه السيادة إلى نظرية التطور التاريخي والدوري للدساتير، والتي اعتمد عليها أيضًا في فهم شكل السلطة السياسية في الدولة وهيكلها التنظيمية، وذلك بهدف الوصول إلى رؤية شاملة حول النظام السياسي الأمثل.
اعتقد شيشرون أن جميع أنظمة الحكم، بغض النظر عن نوعها، معرضة للفساد، وهو أمر قد يؤدي إلى زوالها. فالفساد يؤدي حتمًا إلى الثورة. لذلك، رأى أن فساد النظام الملكي يؤدي إلى نظام استبدادي نتيجة للثورة، بينما يؤدي فساد النظام الأرستقراطي إلى حكم الأوليغارشية، وفساد النظام الديمقراطي يؤدي إلى حكم الغوغاء.
وجهة نظر شيشرون في النظام الملكي
في البداية، كان شيشرون يرى أن النظام الملكي هو الأفضل، لكنه اكتشف لاحقًا أن الملك قد يتحول إلى مستبد وفاسد لا يهتم بشعبه. هذا الأمر قد يثير الشعب، الذي يعتبره شيشرون المصدر الحقيقي لسلطة الملوك. وبالتالي، لن يجد الشعب مفرًا من الثورة ضد هذا الحكم الظالم. ولكن الثورة، في رأيه، غالبًا ما لا تأتي بنظام أفضل، بل قد تؤدي إلى نظام دكتاتوري مستبد.
تصور شيشرون للنظام الأرستقراطي
يعتقد شيشرون أن الأرستقراطية تتميز بالاستقرار، حيث يحكمها نخبة من الرجال الذين يتمتعون بالخبرة والحكمة اللازمة لإدارة الدولة بشكل جيد. ومع ذلك، يرى أنها غالبًا ما تكون عرضة للمؤامرات والدسائس من قبل الطامحين إلى السلطة الأوليغارشية. بالتالي، فالنظام الأرستقراطي، مثل النظام الملكي، قد يتغير ويفتح المجال للمنتفعين والطامعين في السلطة.
تقييم شيشرون للديمقراطية
رأى شيشرون أن الديمقراطية نظام حكم جيد طالما أن الحاكم يقود الدولة بصورة جيدة ويتصرف بشكل سليم، وقادر على الحسم في حال حدوث حالة طارئة. كما رأى أن الناس في ظل النظام الديمقراطي يتمتعون بالحرية وبالحقوق المتساوية، حيث يشارك الناس جميعهم في إدارة الحكم. لكنه عاد ليقول إن أسوأ الدول الجيدة هي تلك التي كانت ذات نظام ديمقراطيّ لأنه في حالة فساد الحاكم لن يصل إلى الحكم إلا الغوغاء والرعاع.
نظام الحكم المدمج في نظر شيشرون
ذهب شيشرون إلى أبعد مما وصل إليه المؤرخ والسياسي اليوناني بوليبيوس في وصف عملية انتقال السلطة، حين كتب: “هكذا تتجاذب الحكومة مثل الكرة، يتلقونها من الملوك والطغاة الأرستقراطيين أو الشعب، ومن الشعب إلى الأوليغارشية أو الرعاع”. لذلك، خلص إلى أن الأنظمة الثلاثة معيبة وغير مستقرة. واقترح نظامًا مختلطًا يرى فيه أن الحكومة المثالية هي تلك التي تتشكل من توازن ومزج متساوٍ بين خصائص النظام الملكي والديمقراطي والأرستقراطي معًا. واقترح على الرومان إعادة النظام الجمهوري إلى شكله السابق، من خلال تقوية الأرستقراطيين ومجلس الشيوخ على حساب المجالس الديمقراطية.
مفهوم شيشرون للقانون والدستور
يؤمن شيشرون بوجود قانون طبيعي عام ينبثق من حكم العناية الإلهية للعالم، وهو القانون الذي ينبع من الطبيعة العقلية والاجتماعية للبشر. كما اعتقد بوجود قانون ثابت وخالد يوافق قانون الطبيعة والعقل وينطبق على جميع البشر، ولا يتغير بتغير الزمان أو المكان، وهو قانون عالمي كان يطلق عليه في ذلك العصر قانون الشعوب.
أما فيما يتعلق بالدستور، فيرى شيشرون أن وجود الدستور في الدولة ضروري لتنظيم شؤونها وشؤون الشعب، خاصة عندما تتولى الدولة مهامها. ويؤكد على سمو الدستور على التشريعات القانونية الأخرى، وهي فكرة ما تزال سارية المفعول حتى اليوم. لذلك، أي تشريع أو قانون يخالف الدستور لا يمكن اعتباره قانونًا أصلاً.
الدولة والشعب في فكر شيشرون
يرى شيشرون أن الدولة نشأت نتيجة لميل الإنسان الطبيعي إلى تنظيم الأمور وبمساهمة الشعب. فالدولة، وفقًا له، هي كيان يملكه جميع المواطنين، وهي عبارة عن جماعة معنوية. وبعبارة أخرى، الدولة هي مجموعة من الأشخاص يتملكونها بالمشاع فيما بينهم، ولا بد لهذا الكيان من قانون ينظمها وينظم علاقتها بأفراد الشعب. كما يرى أن الدولة تقوم أساسًا لتمثيل مصالح الناس المشتركة وتقديم المساعدة لهم، وتمثل الحكم العادل بين أفراد الشعب في حالة الخلاف.
ميّز شيشرون بين الدولة والشعب، ورأى أن الدولة يجب أن تمثل الشعب في القيام بالأنشطة العامة. كما قسم حكومات الدول إلى ثلاثة أنواع: ملكية وديمقراطية وأرستقراطية وحكومات ذات نظام مختلط، وفضل الأخير على الأنواع الثلاثة الأولى، ودعا إلى دستور مختلط لتحقيق ذلك.
العدالة من منظور شيشرون
لطالما بحث شيشرون وغيره من الفلاسفة عن جوهر العدالة، متمنيين أن يسود أي مجتمع إنساني العدالة الحقيقية، لأن الإنسان جدير بأن يحيا حياة يسودها العدل. وكان شيشرون مصيبًا تمامًا عندما تجاوز الاختلاف في الآراء حول المعنى الحقيقي للعدالة وحول كيفية تطبيقها في المجتمع، مؤكدًا أن العدالة الحقيقية لا تبنى على آراء الناس بل هي تبنى على أحكام الطبيعة، فتلك الآراء والمعتقدات الزائفة التي يتبناها بعض البشر ما هي إلا نتيجة انحراف بعض العقول الضعيفة، وهي ذاتها التي سارت بهم على غير هدى، ولولا هذا الانحراف في الفكر والمعتقد لكان جميع الناس متشابهين وسواسية.
تأثير المدرسة الرواقية على أفكار شيشرون السياسية
إنّ مفتاح أفكار شيشرون هو القانون الطبيعي، وهي فكرة قديمة وردت عن المدرسة الرواقية، ومن ثم ألبسها شيشيرون لباسًا جديدًا من خلال اعتباره أن القانون الطبيعي أسمى قانون ينبثق من واقع العناية الإلهية للعالم بأسره، وهو الذي يجمع البشر فيما بينهم ويربطهم تحت سقف مدينة واحدة هي المدينة العالمية الكونية، وعليه تتجلى تأثيرات المدرسة الرواقية في أفكار شيشرون من خلال إعادة صياغته لنظريتهم في القانون الطبيعي وهو القانون الإلهي الخالد للأبد والصالح لكل شعوب، وهو يرى أن الناس متساوون ويمتلكون جميعهم القدرة العقلية ذاتها، وهو بذلك يختلف عما ذهب إليه أرسطو من القول إنّ هنالك أشخاصًا يتميزون عن غيرهم بقدراتهم العقلية، وكان يقصد اليونانيين.
بالتالي كان شيشرون يؤمن بفكر المدرسة الرواقية بشكل كبير من خلال إيمانه العميق بالقانون الطبيعي، وهو قانون صالح لتنظيم العلاقات بين الناس داخل المجتمع الإنساني في كل زمان ومكان، كما نادى شيشرون بالمواطنة في المجتمع الإنساني وأنّ الدولة بمثابة شركة مساهمة يحق لأي مواطن أن تكون له العضوية فيها دون أي تمييز.
أعمال شيشرون السياسية
يعد شيشرون أكبر خطيب روماني تميز بالبلاغة والفصاحة العالية، وكان له الفضل الأكبر في نقل كل ما جاء في الفلسفة اليونانية إلى اللاتينية، وأهم ما خلفه لنا من آثاره تلك: الخطب السياسية وكتاب الجمهورية وكتاب في القوانين، إذ حاول أن يجمع فيها أهم المذاهب اليونانية في السياسة، فأصبحت تلك المؤلفات بمثابة السجل للأفكار السياسية في روما، وهذه المهمة ظل شيشرون مكرسًا لها نفسه حتى تم قتله عام (43) ق.م على يد أنطونيوس، وقد عبّرت كتابات شيشرون عن كل من آراء أفلاطون وأرسطو والرواقيين وبوليبوس.
في خطابات شيشرون السياسية التي ألقاها على الشعب الروماني ومجلس الشيوخ والتي كانت عددها (106) خطاب لم ينج منها سوى (58) خطاب، وبعضها جاء بصورة غير مكتملة، تلك الخطب التي أحدثت الكثير من اللغط في الدولة بسبب دفاعه المستميت عن حرية الشعب وحقوقه المهدورة، كما أخذ ينتقد الدولة وسلوكها ويهاجم الطبقة الأرستقراطية، وذهب إلى القول إنّ نجاح الدولة واستمراريتها مرهون بما تمنحه من حقوق وحريات لشعبها وبعكسه فإنها في طريقها إلى الزوال.
لطالما كان شيشرون معجبًا بما طرحه أفلاطون فيما يتعلق بأفضل دستور أو نظام وطبيعة وأسس العدالة، فحاول صياغة تلك الأمور في كتابه عن الجمهورية الذي أصدره (54 /51) ق. م، وفيه أورد شيشرون أهم المذاهب اليونانية في السياسة، مؤكّدًا على فكرتين أساسيتين الأولى هي: أهمية الدستور المختلط للدولة، والثانية: نظرية التطور التاريخي الدوري للدساتير، وهما فكرتان استعارهما من أرسطو، وموادهما أن الحكومات لا تستمر على وتيرة واحدة على الدوام، فهي في الغالب لديها ميل للتدهور والذهاب نحو الأسوأ، وذلك بحسب ما تواجهها من مشاكل ومحن.
إنّ هذا الأمر ينطبق على روما التي كان دستورها الأصلي يقوم على أساس الملكية، ثم لحقها التغيير حتى انتهى الوضع في النهاية بوجود نظام حكم استبدادي، ولهذا فإنه لا منفذ لها من هذا الوضع إلا من خلال إيجاد حكومة دستورية يتحقق في إطارها التوازن بين الديمقراطية والاستبدادية، بحيث يصبح الدستور في منأى عن التصرف والمغالاة في هذا الاتجاه أو ذاك، وفي هذا الكتاب رأى شيشرون أن هناك قانونًا أسماه القانون الحق؛ وهو قانون البداهة والتفكير السليم الذي يتماشى مع الطبيعة وينطبق على جميع الناس وهو قانون خالد لا يتغير.
في القوانين هو الكتاب الذي تولى إصداره عام (51) ق.م، ويبدو أنه العمل الأخير لشيشرون، وفيه يرى أنّ القانون الإلهي هو القانون ذو الطبيعة الخالدة وهو بمثابة العقل والبداهة والتفكير السليم القادر على الحد من جموع البشر ومن تصرفاتهم الخاطئة، والقانون الإلهي قانون لا يتخلله الخطأ أو السهو، والسبب في ذلك أنه يمتاز بصفتين أساسيتين، الأولى هي الثبات والثانية هي الإلزام، ويترتب على تلك الصفتين نتائج إيجابية تنعكس على حياة البشر تتمثل في عدة أمور:
- تجعلهم سواسية أمام القانون.
- تُحافظ على حقوقهم الأساسية.
- تضع العقاب الرادع لكل من يخرج عنها.