مقدمة
تعتبر الأضحية من الشعائر الإسلامية العظيمة التي يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى، وتذبح في أيام عيد الأضحى المبارك. وقد اختلف العلماء والفقهاء في تحديد حكمها الشرعي، فمنهم من يراها سنة مؤكدة، ومنهم من يذهب إلى وجوبها على المستطيع. في هذا المقال، سنتناول آراء الفقهاء في هذه المسألة، مع بيان تعريف الأضحية وأصل تشريعها.
تبيان اختلاف الفقهاء في الأضحية
تباينت آراء الفقهاء في حكم الأضحية، ويمكن تلخيصها في رأيين رئيسيين:
الرأي الأول: سنة مؤكدة
يرى جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، بالإضافة إلى رواية عن أبي يوسف من الحنفية، أن الأضحية سنة مؤكدة. وقد استندوا في ذلك إلى عدة أدلة، منها:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلَ العَشرُ وأرادَ أحدُكم أن يضحِّيَ فلا يمسَّ من شعرِهِ ولا بَشَرِهِ شيئًا). وهذا الحديث يعلق الأضحية على الإرادة، مما يدل على أنها ليست واجبة.
- فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث (أَمَرَ بكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِيَ به لِيُضَحِّيَ به، فَقالَ لَهَا: يا عَائِشَةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ، ثُمَّ قالَ: اشْحَذِيهَا بحَجَرٍ. ففعلت: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بهِ). وهذا يدل على أن تضحيته صلى الله عليه وسلم كانت عنه وعن أمته، وتجزئ عن كل من لم يضحّ.
- آثار عن الصحابة، مثل ما روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين خشية أن يستن بهما.
الرأي الثاني: واجبة على الموسر
ذهب الحنفية وقول للمالكية، بالإضافة إلى الثوري والأوزاعي والليث، إلى أن الأضحية واجبة على الموسر. واستدلوا على ذلك بما يلي:
- قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر). والأمر في الآية يفيد الوجوب، وما يجب على النبي صلى الله عليه وسلم فهو واجب على أمته.
- ما روي عن جندب بن عبد الله قال: (شَهِدْتُ الأضْحَى مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بالنَّاسِ نَظَرَ إلى غَنَمٍ قدْ ذُبِحَتْ، فَقالَ: مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَن لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ علَى اسْمِ اللَّهِ). والأمر بإعادة الذبح يدل على الوجوب.
- ما رواه البراء بن عازب:(صَلَّى رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ذَاتَ يَومٍ فَقالَ: مَن صَلَّى صَلَاتَنَا، واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، فلا يَذْبَحْ حتَّى يَنْصَرِفَ فَقَامَ أبو بُرْدَةَ بنُ نِيَارٍ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، فَعَلْتُ، فَقالَ: هو شيءٌ عَجَّلْتَهُ قالَ: فإنَّ عِندِي جَذَعَةً هي خَيْرٌ مِن مُسِنَّتَيْنِ، آذْبَحُهَا؟ قالَ: نَعَمْ، ثُمَّ لا تَجْزِي عن أحَدٍ بَعْدَكَ قالَ عَامِرٌ: هي خَيْرُ نَسِيكَتَيْهِ). والدليل في الحديث:(ولَنْ تَجْزِيَ عن أحَدٍ بَعْدَكَ)؛ أي أن تقضي، والقضاء لا يكون إلا عن واجب.
توضيح معنى الأضحية
الأضحية لغةً: هي اسم لما يضحى به أي يذبح، ويقال ضحية، وضحايا، وجمعها الأضاحي، وبها سمي يوم الأضحى.
الأضحية اصطلاحًا: هي ذبح حيوان بشروط مخصوصة تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر.
أصل تشريع الأضحية
شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة، وثبتت مشروعيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وانعقد الإجماع على ذلك.
من القرآن الكريم: قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر)، وقوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ).
من السنة النبوية: ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه:(ضَحَّى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا).
وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية إلى أيامنا هذه، ولم يخالفهم أحد من أهل العلم.
المصادر
- الموسوعة الفقهية الكويتية
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، قاسم القوني
- الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، أبوهبة الزحيلي
- المفصل في أحكام الأضحية، حسام الدين عفانة