مدخل حول حكم تناول لحم الضبع
الأصل في الشريعة الإسلامية أن كل شيء مباح ما لم يرد نص صريح بتحريمه. وقد حث الإسلام أتباعه على كل ما فيه خير ومنفعة لهم في الدنيا والآخرة. وفي مجال الأطعمة، يقول الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: 157]. يثار تساؤل حول مشروعية تناول لحوم الضباع، وهل هي جائزة أم أنها تندرج ضمن قائمة اللحوم المحرمة في الشريعة؟ اختلفت آراء العلماء والفقهاء في هذه المسألة، وسنعرض فيما يلي تفصيلاً لهذه الآراء مع أدلتها.
العلماء الذين أجازوا أكل لحم الضبع
ذهب كل من الشافعية والحنابلة إلى جواز أكل لحم الضبع، واستندوا في ذلك إلى الأدلة التالية:
- الشافعية: استدل الشافعية على جواز الأكل بأن الناس كانوا يبيعون لحم الضبع في مكة بين الصفا والمروة، بالإضافة إلى ما روي عن ابن أبي عمر جابر عندما سئل: “الضَّبُعُ صَيدٌ هيَ؟ قالَ: نعَم ، قلتُ آكلُها؟ قالَ: نعَم، قلتُ: أقالَهُ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-؟ قالَ: نعَمْ”. [الألباني، صحيح النسائي].
- الحنابلة: استدل الحنابلة بحديث نبوي شريف يجيز أكل لحم الضبع، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: “الضبعُ صيدٌ فَكُلْها، و فيها كبشٌ مسنٌّ إذا أصابَها المحرمُ” [السيوطي، الجامع الصغير]. ويرى الحنابلة أن هناك نوعين من الضباع، وأن الحديث يشير إلى النوع الذي يتغذى على النباتات، وهو النوع المنتشر في منطقة الحجاز.
العلماء الذين حرموا أو كرهوا أكل لحم الضبع
يرى الحنفية والمالكية حرمة أو كراهة أكل لحم الضبع، ويستندون في ذلك إلى الأدلة التالية:
- الحنفية: يحرم الإمام أبو حنيفة أكل كل ذي ناب من السباع، وبالتالي يحرم أكل لحم الضبع. ويستند في ذلك إلى النهي النبوي عن أكل ذوات الأنياب، فعن أبي ثعلبة -رضي الله عنه-: “أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عن أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وفي رواية: نَهَى عن كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ” [مسلم، صحيح مسلم].
- المالكية: يرى جمع من علماء المالكية أن الإمام مالكاً كان يحرم أكل لحم الضبع استناداً إلى الحديث الذي ورد في الموطأ: “كُلُّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ فأكْلُهُ حَرامٌ” [مسلم، صحيح مسلم]. إلا أن الراجح عند المالكية هو الكراهة، حيث قال الإمام مالك: “ولا أحب أكل الضبع، والثعلب، ولا الذئب، ولا الهر الوحشي، ولا الإنسي، ولا شيء من السباع”.
أسباب إجازة أكل لحم الضبع
اعتاد العرب في الجاهلية على أكل الضباع وغيرها من الحيوانات التي لا تعتدي على الناس بأنيابها. أما الحيوانات المفترسة التي تعتدي على الناس كالأسد والنمر والفهد، فقد ورد النهي عن أكلها في السنة النبوية. والدليل على إباحة أكل الضبع هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الضبعُ صيدٌ فَكُلْها، و فيها كبشٌ مسنٌّ إذا أصابَها المحرمُ” [السيوطي، الجامع الصغير]. فالله -سبحانه وتعالى- حرم القتل في حالة الإحرام لكل ما يحل أكله، والظاهر من الحديث أن الضبع من الصيد الذي تجب فيه الفدية إذا اصطاده المحرم. وقد أباح النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل الكلب العقور في الإحرام، لأنه يعتدي على الناس. وقاس العلماء على الضبع الثعلب وغيره من الحيوانات التي لا تعتدي على الناس.
أما الحكمة من تحريم أكل السباع المفترسة، فيرجع إلى أن الغذاء يؤثر على سلوك الإنسان، فقد يؤدي تناول هذه الأنواع من اللحوم إلى جعله أكثر عدوانية. وعلى المسلم أن يلتزم بأوامر الله ورسوله سواء علم الحكمة من ورائها أم لم يعلم.
تحديد الحيوانات ذات الأنياب المنهي عن أكلها
عند التدقيق في الأحاديث النبوية التي نهت عن أكل ذوات الأنياب، نجد أن التحريم مرتبط بصفتين: أن يكون الحيوان ذا ناب، وأن يكون من السباع المفترسة بطبعها كالأسد والفهد والنمر. ويمكن تلخيص ضوابط تحريم أكل ذوات الأنياب فيما يلي:
- أن يكون الحيوان من ذوات الأنياب التي يستعملها في الافتراس والتقوي، كالأسد والنمر.
- أن يكون من الحيوانات العادية التي تلحق الضرر بالإنسان وتفتك به، كالذئب.
- أن يكون من الحيوانات الخبيثة التي تتغذى على الجيف، والتي يؤثر لحمها على طبع الإنسان إذا أكله، كالكلب وابن عرس.
ملخص حول حكم أكل لحم الضبع
حرّم الله -سبحانه وتعالى- على المسلمين بعض الأطعمة الخبيثة بنصوص شرعية واضحة، وأباح لهم ما عداها. وقد اختلفت آراء الفقهاء في حكم بعض الأطعمة، مثل لحوم الضباع، حيث ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز أكلها، بينما ذهب الحنفية إلى تحريمها، ورأى المالكية كراهة ذلك. واستدل كل مذهب بأدلة ونصوص شرعية تبرر موقفه، مع وضع ضوابط لتحريم أكل ذوات الأنياب من السباع.