آراء العلماء في إعفاء اللحية وأحكامها

استكشاف آراء الفقهاء حول إعفاء اللحية، حكم حلقها وتخفيفها، مسائل متعلقة بالوضوء والتزين، بالإضافة إلى السنن والمكروهات المتعلقة بها، وأهمية إطلاقها.

مقدمة

تعتبر اللحية جزءاً من المظهر الإسلامي، وقد اختلف العلماء في تحديد حكم إطلاقها وحلقها، وفي هذا المقال سنتناول آراءهم المختلفة وأدلتهم، بالإضافة إلى مسائل أخرى تتعلق باللحية.

تبيان آراء العلماء في إعفاء اللحية

تباينت وجهات نظر العلماء حول حكم إعفاء اللحية، ويمكن تلخيص هذه الآراء في قولين رئيسيين:

الرأي الأول

ذهب بعض علماء الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة إلى أن إطلاق اللحية واجب على المسلم. واستدلوا بظاهر الأمر في عدد من النصوص الشرعية، ومنها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

“أَحْفُوا الشَّوارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى.”

الرأي الآخر

يرى بعض علماء الشافعية والمالكية والحنابلة أن الأمر الوارد بإطلاق اللحية لا يدل على الوجوب، وإنما على الإرشاد أو الاستحباب. كما أن الأمر بإعفاء اللحية ورد مقروناً بخصال الفطرة المستحبة.

حكم إزالة اللحية

يقصد بالحلق استئصال شعر اللحية بالكامل أو أخذ جزء منه. وقد تعددت آراء الفقهاء في حكم حلق اللحية على النحو التالي:

  • الشافعية: قالوا بكراهة حلق اللحية، وذكر الإمام النووي أن العلماء ذكروا عشر خصال تكره في اللحية، منها حلقها. أما المرأة، فيستحب لها حلق شعر اللحية إن نبت لديها.
  • الحنفية: ذهبوا إلى كراهة حلق اللحية تحريماً، وأن السنة في اللحية أن تكون بمقدار قبضة اليد، ولا يجوز الأخذ منها لتصبح أقل من ذلك، أو أخذها كلها.
  • المالكية: قال الإمام مالك بتحريم حلق اللحية للرجل، وجواز الأخذ منها إن كانت طويلة بخلاف المعتاد؛ لأنها قد تكون سبباً في تقبيح المنظر، فيُندَب أخذ الزائد منها لتحسين الهيئة.
  • الحنابلة: قالوا بإعفاء اللحية، وعدم الأخذ منها ما لم يزد طولها بصورة كبيرة، وتحريم حلقها، مع جواز أخذ ما زاد عن قبضة اليد منها.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الآراء متعلقة بالأوضاع الطبيعية، أما إذا كان إعفاء اللحية يسبب مشكلة عائلية أو وظيفية، فيجب استشارة أهل العلم، إذ إن كل حالة تقدر بحسب ظروفها.

حكم تقصير اللحية

مسألة تقصير اللحية من المسائل التي تناولها العلماء، وتلخصت آراؤهم في رأيين:

  • جواز التقصير: يرى الحنابلة والحنفية جواز التقصير من اللحية إن زاد طولها عن قبضة اليد، استدلالاً بما ورد عن فعل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عندما كان يأخذ من لحيته وشاربه حين يتحلل من الإحرام.
  • عدم الجواز: قال الإمام النووي من الشافعية بعدم جواز الأخذ من اللحية، سواء طولاً أو عرضاً، استدلالاً بظاهر الأمر بإعفائها وإطلاقها. ويرى بعض الحنابلة عدم جواز الأخذ من اللحية في حال عدم استقباح طولها.

غسل اللحية أثناء الوضوء

بين العلماء حكم تخليل اللحية في الوضوء، وهو إدخال الأصابع فيما بين شعرها:

  • الشافعية: قالوا بوجوب غسل اللحية الخفيفة، ما ظهر منها وما بطن، واستحباب تخليل اللحية الكثيفة.
  • الحنفية: قالوا بوجوب وفرض غسل ظاهر اللحية الكثيفة، أما اللحية الخفيفة فيجب إيصال الماء إلى بشرتها، إذ إن جبريل -عليه السلام- أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتخليل لحيته.
  • المالكية: قالوا بعدم وجوب تخليل شعر اللحية، سواء كانت كثيفة أو خفيفة.
  • الحنابلة: يسن عندهم تخليل اللحية من أسفلها أو من جانبها في الوضوء إن كانت كثيفة، أما إن كانت خفيفة بحيث تظهر البشرة، فيجب غسلها فقط.

زينة اللحية وتلوينها

حكم تنظيم اللحية

يجوز تنظيم اللحية بإزالة الشعر المتناثر والمتطاير، ولا حرج في أخذ ما شذ من الشعر من أمام الأذنين، فالإسلام يحث على التزين والترتيب بما يناسب ويحسن الهيئة.

حكم صبغ اللحية

يجوز للرجل صبغ شعره بأي لون من غير اللون الأسود؛ لِما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- من نَهي النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عن اللون الأسود، فقال:

“أُتِيَ بأَبِي قُحَافَةَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوا هذا بشيءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ”

كما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصبغ بالصفرة، وأن أبا بكر وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- اختضبا بالحناء.

السنن والمكروهات المرتبطة باللحية

هناك العديد من السنن والمكروهات المتعلقة باللحية، منها:

  • يسن إكرام اللحية وترتيبها؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “مَن كان له شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْه.”
  • يسن تطييب اللحية وتعطيرها بأجود الطيب؛ لِما ثبت في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: “كُنْتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأَطْيَبِ ما يَجِدُ، حتَّى أجِدَ وبِيصَ الطِّيبِ في رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ.”
  • يكره تبييض اللحية استعجالاً للشيخوخة، أو رغبة في نيل مكانة ما.
  • يكره نتف الشيب.
  • يكره عدم تنظيم اللحية إظهاراً للزهد.

أهمية إطلاق اللحية

إعفاء اللحية من الشعائر المتعلقة بدين الإسلام، وتعد الشعائر أعظم من غيرها، إذ إن التزامها من تقوى الله وخشيته، واللحية من الفطرة التي حافظ عليها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- جميعهم.

فقد ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:

“عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعْفاءُ اللِّحْيَةِ…”

وفسر عدد من العلماء سنن الفطرة بأنها السنن القديمة، والتي حافظ عليها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، والتي جبل ونشأ عليها الفرد.

حكم إزالة الشارب أو قصه

يقصد بالحف: الإزالة، والشارب هو الشعر النابت على الشفة العليا. وللعلماء في مسألة حلق الشارب أو حفه تفصيل:

  • الشافعية: قالوا بكراهة حف الشارب من أصله، وما ورد في السنة النبوية يراد به حف طرف الشفة، ويستحب قصه.
  • الحنفية: قالوا بأن السنة حلق الشارب، ويفضل على القص الذي يكون بالأخذ من الطرف الأعلى للشفة العليا.
  • المالكية: استدلوا بقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “أَحْفُوا الشَّوارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى” على الأمر بقص الشارب، أما حلقه فمنهي عنه.
  • الحنابلة: قالوا بأن الأفضل قص الشارب، وإعفاء اللحية؛ اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.

خلاصة

تتنوع آراء العلماء حول حكم إطلاق اللحية وحلقها، وتختلف تفصيلات الأحكام المتعلقة بها. يجب على المسلم أن يسعى لفهم هذه الآراء والاجتهاد في تطبيقها بما يوافق دينه وظروفه، مع الأخذ في الاعتبار أهمية استشارة أهل العلم في الحالات الخاصة.

Total
0
Shares
المقال السابق

فطائر اللحم الشهية: طريقة سهلة ومضمونة

المقال التالي

دراسات اللغة المعاصرة: آفاق جديدة

مقالات مشابهة