جدول المحتويات:
الضوابط الشرعية للكلام خلال رفع الأذان
يتساءل الكثيرون عن حكم الكلام أثناء الأذان، وما إذا كان جائزًا أو مكروهًا. تتوقف الإجابة على هذا السؤال على عدة عوامل، منها: حاجة المتحدث، طول مدة الكلام، وهل المتحدث هو المؤذن أم شخص آخر. في هذا المقال، سنتناول هذه المسألة بالتفصيل، مستندين إلى آراء الفقهاء والأدلة الشرعية.
حكم التحدث بالنسبة للمؤذن
يجوز للمؤذن التحدث أثناء الأذان في حالات الضرورة، ولا يبطل ذلك أذانه إذا كان الكلام قليلاً. وقد استدل العلماء على ذلك بحديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
“(خَطَبَنَا ابنُ عَبَّاسٍ في يَومٍ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ المُؤَذِّنُ حَيَّ علَى الصَّلَاةِ، فأمَرَهُ أنْ يُنَادِيَ الصَّلَاةُ في الرِّحَالِ، فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، فَقالَ: فَعَلَ هذا مَن هو خَيْرٌ منه وإنَّهَا عَزْمَةٌ).”[١]
والردغ كما هو معلوم هو الوحل الناتج عن اختلاط الطين بالماء، والعزمة هي الأخذ بالأحوط والأكثر احتياطاً. هذا الحديث يدل على جواز الكلام للمؤذن إذا اقتضت الحاجة ذلك. كما ورد عن سليمان بن صُرد -رضي الله عنه-:
“(أنه كان يؤذنُ في العسكرِ فيأمرُ غلامَه بالحاجةِ في أذانِه).”[٢][٣]
ويرى جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة أن الكلام اليسير لا يُبطل الأذان، شريطة أن يكون لحاجة، وألا يكون الكلام كثيرًا. أما إذا كان الكلام لغير ضرورة، فهو مكروه عند جمهور الفقهاء، حتى لو كان مجرد رد السلام. وفي هذه الحالة، يُفضل تأخير الرد إلى ما بعد الانتهاء من الأذان. إلا أن الحنابلة أجازوا رد السلام أثناء الأذان. أما الكلام الكثير فإنه يبطل الأذان عند جمهور العلماء، باستثناء الحنفية، لأنه يخل بالموالاة، وهي شرط من شروط صحة الأذان.
حكم التحدث لغير المؤذن
بالنسبة لغير المؤذن، تتعدد الحالات وتختلف أحكامها:
- الكلام لحاجة: يجوز الكلام أثناء الأذان إذا كانت هناك حاجة تستدعي ذلك، كأن يرد السلام على شخص، أو يشمّت عاطسًا، أو يطلب شيئًا ضروريًا. إلا أن الأفضل هو الاستماع إلى الأذان والترديد خلف المؤذن، اتباعًا للسنة النبوية.
- الاستماع إلى القرآن: إذا كان الشخص يستمع إلى القرآن الكريم، ثم بدأ الأذان، فالأولى أن يقطع الاستماع إلى القرآن ويستمع إلى الأذان ويردد خلف المؤذن.
- يوم الجمعة: لا يحرم الكلام أثناء الأذان الأول لصلاة الجمعة، قبل صعود الخطيب إلى المنبر. وقد ذكر ابن القاسم أنه رأى الإمام مالك يتحدث مع أصحابه أثناء الأذان الأول ليوم الجمعة، حتى يصعد الإمام المنبر.
- الوضوء: لا بأس بالترديد خلف المؤذن أثناء الوضوء، ولكن يجب الحرص على عدم الترديد داخل دورة المياه، تجنبًا لذكر الله في مكان غير لائق.
الأذان: تعريفه وأهميته
الأذان في اللغة مشتق من الأَذَن، وهو الاستماع. والأذان يعني الإعلام والإخبار. وقد ورد في القرآن الكريم قوله -تعالى-:
“(وَأَذانٌ مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ)”[٩]
بمعنى إعلام من الله ورسوله. أما في الاصطلاح الشرعي، فالأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. وقد فضّل الله -تعالى- الأذان، وجعل له مكانة عظيمة في الإسلام، وقد وردت في ذلك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، منها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
“(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وله ضُرَاطٌ، حتَّى لا يَسْمع التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أقْبَلَ، حتَّى إذَا ثُوِّبَ بالصَّلَاةِ أدْبَرَ، حتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أقْبَلَ، حتَّى يَخْطِرَ بيْنَ المَرْءِ ونَفْسِهِ، يقولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِما لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى.)”[١١]
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
“(لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ، لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا.)”[١٢]
هذه الأحاديث تدل على فضل الأذان وعظيم أجره، وأنه سبب لطرد الشيطان، وحضور القلب في الصلاة.
المصادر والمراجع
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عباس ، الصفحة أو الرقم:616، صحيح .
- رواه ابن حجر العسقلاني ، في فتح الباري لابن حجر، عن سليمان بن صرد ، الصفحة أو الرقم:116، إسناده صحيح .
- حسين العوايشة (1429)،الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة(الطبعة 1)، عمان/ بيروت :المكتبة الإسلامية/ دار ابن حزم ، صفحة 395، جزء 1. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (1427)،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 1)، مصر :مطابع دار الصفوة ، صفحة 114، جزء 35. بتصرّف.
- عبد العزيز بن باز ،فتاوى نور على الدرب، صفحة 363-364، جزء 6. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2009)،فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4683، جزء 11. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2009)،فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 12086، جزء 11. بتصرّف.
- عبد العزيز بن باز ،فتاوى نور على الدرب، صفحة 92، جزء 5. بتصرّف.
- سورة التوبة ، آية:3
- حسين العوايشة (1429)،الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة(الطبعة 1)، الأردن/ بيروت :المكتبة الإسلامية/ دار ابن حزم ، صفحة 359-361، جزء 1. بتصرّف.
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:608، صحيح .
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:615، صحيح .