آداب الزيارة والضيافة في الإسلام

استكشف آداب الزيارة والضيافة في الإسلام، من الاستئذان بالزيارة إلى إكرام الضيف وكيفية التعامل مع أهل البيت.

محتويات

الزيارة في الإسلام: آدابها وأهميتها

الزيارة في الإسلام تُعدّ فعلًا محمودًا يُؤكّد على روابط الأخوة والإيمان. حثّ الإسلام على الزيارة وجعل لها ثوابًا عظيمًا، سواء كانت لأجل مناسبة كالتّهنئة بالنجاح أو بالزواج، أو بغير سبب. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى ‌مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ).[١]

وللزيارة آدابٌ لا بدّ من مراعاتها، من أهمّها:

الاستئذان: بوابة الاحترام والتواصل

ينبغي على من أراد زيارة غيره أن يستأذن بالزيارة قبل التوجه، فيتّصل بالهاتف أو بأيّ وسيلة من الوسائل الحديثة. في حال تمّت الموافقة، يمكنه الزيارة، وإلّا فعليه الانتظار لوقتٍ مناسب.

هذه العادة، على الرغم من كونها حديثة، إلا أنّها تُساهم في تعزيز الآداب الإسلامية، لأنّها تتيح المجال للرّجل بالاعتذار إن كان لديه ما يُشغله في ذلك اليوم.

لا أحد يعلم ما هو حال أهل البيت في ذلك اليوم، لذلك من الضروري التأكد من استعدادهم لاستقبال الضيف.

وإذا وصل الزائر إلى البيت بإذن مُسبق أو بغير إذن مُسبق، فعليه أن يستأذن بالدخول على أهل البيت. من آداب الاستئذان بالدخول:

  • قرع الباب أو النّداء: قال الله -تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[٣]
  • الاستئذان ثلاثًا: فإنْ لم يؤذن له، فليرجع. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا ‌اسْتَأْذَنَ ‌أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ).[٤]
  • التّسليم: للآية الأولى ولِما ورد عن رجل من بني عامر:(أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ‌أألِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُجْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ: فَلْيَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ).[٥]

اختيار الوقت المناسب: احترام الوقت واحترام الشعور

من المهمّ اختيار الوقت المناسب للزيارة، بما يُراعي مشاعر صاحب البيت وأحواله. ينبغي اختيار اليوم المناسب، والسّاعة المناسبة، فلا يزوره في يوم يعلم أنّه مشغول فيه.

يجب أيضًا اختيار السّاعة المناسبة، فلا يتحرّى موعد الطّعام والمنام، ولا موعد القيام ببعض المهام، ولا في آخر الليل وقت النوم، ولا في أوّل اليوم وقت الاستيقاظ.

في حديث الهجرة عن عائشة قالت:(لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الخُرُوجِ إِلَى المَدِينَةِ، لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ).[٦][٧]

مدة الزيارة: الاعتدال في البقاء

يُوصى الزائر بعدم إطالة مدة الزيارة، فلا يجعلها طويلةً بحيث يشعر صاحب البيت بالمَلل، ولا يُطيل الإقامة عند صاحب البيت حتى يُحرجه ويُسبّب له الضّيق.

ربّما يكون بيته غيرَ مُهيّأ لاستقبال الضّيوف وقتاً طويلاً، أو قد يكون عمله لا يسمح له بذلك.

وربّما يكون فقيراً لا يقدر على النّفقة، ولا يملك كُلفة الضّيوف، وهذا يُدخل عليه الحزن؛ لأنّه سيشعر بالعار بسبب تقصيره بإكرام ضيفه.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى ‌يُحْرِجَهُ).[٨][٩]

احترام خصوصية البيت: غض البصر والسمع

ينبغي على الزّائر إذا دخل بيتاً أن يحترم حُرمة البيت، فلا يُعطي لبصره الحرّيّة في النظر إلى عوراته، ولا يحاول اكتشاف ما فيه باستراق النّظر.

يُستحسن غضّ بصره إذا صدف النساء؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّما جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِن أجْلِ البَصَرِ)،[١٠] وينبغي على الزائر ألّا يستقبل الباب بوجهه، بل عن يمين أو شمال، لكي لا يُفاجأ أهل البيت، فيطّلع ويرى منهم ما يكرهونه.[١١]

اختيار مكان الجلوس: راحة النفس واحترام الراحة

يجب على الزائر إذا دخل بيتاً من البيوت أن يجلس حيث يأمره صاحب البيت، فلا يجلس في مكان يكشف من خلاله عورات البيت، ولا يستقبل الباب الذي يفتح جهة البيت، من أجل ألّا يُحرج أهل البيت أو يُحرج نفسه.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى ‌تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)،[١٢]فإنْ لم يأمره صاحب البيت في الجلوس في مكان محدّد، فله أن يتخيَّر أيّ مكان في البيت ثم يجلس.[١٣]

تقديم النصح: باللين والحكمة

من واجب الزائر أن يُقدم النصح والإرشاد لأهل البيت في حال وجود ما يقتضي ذلك، بأسلوب حسنٍ، ولينٍ، وحكمةٍ، وموعظة حسنة.

لا ينبغي أن يخشى في ذلك لومة لائم، ويقصد بهذه النصائح وجه الله تعالى، لا يقصد رياءً ولا سُمعة، حتى يُتقبّل منه ما يقول.

الاستئذان قبل الانصراف: احترام شعور المضيف

يُستحبُّ للزّائر إذا أراد الخروج من البيت الذي يحلّ فيه ضيفاً، ألّا يقوم ولا يخرج من البيت حتى يستأذن صاحبَ البيت.

لا يخرج من البيت إذا لم يكن صاحب البيت موجوداً، فلينتظر ثم بعد ذلك فليخرج من البيت.

وذلك لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:(إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومن ‌حتى ‌يستأذنه)،[١٥] والحكمة من عدم الانصراف إلّا بإذن صاحب البيت، يمكن إرجاعها لسببين:

  • لأنّ صاحب البيت أمير في سلطانه، فلا يتصرَّف الضّيف إلّا بإذنه.
  • لكي لا يفوت الضيفَ شيءٌ يمكن أن يكون صاحب البيت أعدّه له دون علمه؛ كضيافة الطعام، أو غير ذلك.

الشكر على حسن الضيافة: ردّ الجميل

ينبغي على المسلم أن يقابل الحسنة بمثلها، وأن يشكر من صنع له معروفاً.

وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:(من استعاذ بالله فأَعيذوه، ومن سأَلكم بالله فأَعطوه، ومن دعاكم فأَجيبوه، ومن أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أَنْ قد كَافأْتموه)،[١٦]فيدعو الضّيوف لصاحب الطعام بالبركة والنماء.[١٧]

الضيافة في الإسلام: إكرام الضيف واجب

إكرام الضيف من علامات الإيمان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ‌ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)،[١٨]ومن طرق إكرامه:[١٩]

  • التّشارك في الطعام: يأكل معه، ولا يتركه يأكل وحده.
  • أفضل ما عنده: يُطعمه أفضل ما عنده.

طيب الحديث: التواصل مع الضيف

من آداب الضيافة أن يحسن ربُّ البيت الحديث مع ضيفه، ويؤنسه بالحديث كيلا يشعر بالوحشة، وألّا يُطيلَ الصّمت وهم جالسون، ويُديم التّحدثّ معه، ويسأله عن أخباره وأحواله، ويسرد له القصص والأحداث حتى يستأنس.

الترحيب بالضيف: ابتسامةٌ تُدفئ القلوب

يُستحبُّ أن يُلقَى الضّيف بالوجه الطلق وبالبِشر، وأن يُبادَر إلى التّرحيب به، وأن يستقبله المُضيف استقبالاً حسناً.

فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :(لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَرْحَبًا ‌بِالوَفْدِ، الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى)،[٢١]والتّرحيب يعني أنّ مكانكم الذي تحلّون به واسع، ولن يصيبكم الخزي، ولن يصيبكم الندم على ما ستَرَون من حسن الضيافة.[٢٢]

مُرافقة الضيف عند ذهابه: وداعٌ مُحَبب

يُستحبّ لصاحب البيت أن يخرج مع ضيفه لتوديعه، ولا يتركه يخرج دون توديع، وأن يفتح له باب سيّارته ليركب، أو يقود له مركوبه، فيمسكه من الزّمام.

وهذا من العادات الحسنة التي يُستحبُّ القيام بها.[٢٢]

ختامًا، إنّ للزيادة فضلاً عظيماً في الإسلام، ولها العديد من الآداب التي شرعها الإسلام وحثّ عليها.

من أهمّها الاستئذان، وإكرام الضيف، واختيار الزائر الوقت المناسب للزيارة، وغضّ بصره عن عوارات البيت، وعدم إطالة مدة زيارته على من زاره كي لا يُحرجه، وتقديم الضيف النصح والإرشاد بالأسلوب الحسن لأهل البيت، والدعاء لهم وشكرهم على ما قدّموه له من الضيافة.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2567، صحيح.
  2. “الزيارة فضائل وآداب”،طريق افسلام، 2015-03-16، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021. بتصرّف.
  3. سورة النور، آية:27
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد، الصفحة أو الرقم:6245 ، صحيح.
  5. رواه ابن القيم، في زاد المعاد، عن رجل من بني عامر، الصفحة أو الرقم:392، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:2138 ، صحيح.
  7. ابن رسلان (1437)،شرح سنن أبي داود(الطبعة 1)، الفيوم – جمهورية مصر العربية:دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، صفحة 318، جزء 16. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو شريح الكعبي، الصفحة أو الرقم:6135 ، صحيح.
  9. الدكتور موسى شاهين لاشين (1423)،فتح المنعم شرح صحيح مسلم(الطبعة 1)، صفحة 274، جزء 8. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:6241 ، صحيح.
  11. الرافعي (1438)،شرح مسند الشافعي(الطبعة 1)، قطر:وزارة الأوقاف، صفحة 272، جزء 3. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو مسعود الأنصاري، الصفحة أو الرقم:673، صحيح.
  13. السفاريني (1414)،غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب(الطبعة 2)، مصر:مؤسسة قرطبة ، صفحة 318، جزء 1. بتصرّف.
  14. محمد بن فنخور العبدلي،”آداب الزيارة “،صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021. بتصرّف.
  15. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن ابن عمر، الصفحة أو الرقم:182، صحيح.
  16. رواه الالباني، في السلسلة الصحيحة، عن ابن عمر، الصفحة أو الرقم:254، صحيح.
  17. المناوي (1356)،فيض القدير(الطبعة 1)، مصر:المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 151، جزء 1. بتصرّف.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابي هريرة، الصفحة أو الرقم:6018 ، صحيح.
  19. ابن بطال (1423)،شرح صحيح البخارى(الطبعة 2)، الرياض السعودية:مكتبة الرشد ، صفحة 118، جزء 4. بتصرّف.
  20. “آداب الضيافة”،الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح المنجد، 29/11/1399، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم:6176، صحيح.
  22. أبمباركفوري (1404)،مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(الطبعة 3)، بنارس الهند : إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء الجامعة السلفية ، صفحة 71، جزء 1. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

آداب الحوار في الإسلام

المقال التالي

آداب السفر: دليل شامل للسلوكيات اللائقة أثناء الرحلات

مقالات مشابهة

حقوق الطفل في الإسلام: ضمان مستقبل مشرق

تُعدّ حقوق الطفل في الإسلام أساسيةً لنموٍّ صحيٍّ وشاملٍ للأطفال، بدءًا من حقّه في الحياة إلى حقّه في التربية والحماية والرعاية. تعرف على حقوق الطفل في الإسلام وواجبات الأهل والمجتمع تجاههم.
إقرأ المزيد