نظرة في أحكام العقيقة

استعراض لآراء الفقهاء في العقيقة، وهل هي واجبة أو مستحبة، وحكمها للمولود الميت، وهل يجوز أن يعق الشخص عن نفسه عند الكبر، ومسائل أخرى متعلقة بها.

مقدمة

تعتبر العقيقة من السنن المؤكدة في الشريعة الإسلامية، وهي ذبيحة تذبح شكراً لله على نعمة الولد. وقد وردت فيها أحاديث نبوية شريفة تحث عليها، وتوضح أحكامها. إلا أن الفقهاء اختلفوا في تحديد حكمها الشرعي، وفي بعض المسائل المتعلقة بها. فيما يلي، سنتناول أبرز هذه الأحكام والآراء الفقهية.

تبيان حكم العقيقة للمولود

اختلف العلماء في تحديد الحكم الشرعي للعقيقة، وذلك على النحو التالي:

تعدُّد الآراء حول حكمها

تباينت وجهات نظر الفقهاء في تحديد حكم العقيقة، وتوزعت على النحو الآتي:

الرأي الأول: الاستحباب

يرى جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية، وهو المشهور عند الحنابلة، وكذلك قول أبي ثور، أن العقيقة مستحبة وليست واجبة. واستدلوا على ذلك بأدلة من السنة النبوية، منها حديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم-:

“كلّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقتهِ، تُذبَحُ عنهُ يومُ سابعهِ، ويُحلقُ، ويُسمّى”

ووجه الدلالة في هذا الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرن العقيقة بالأمر بالتسمية والحلق، وهي أمور لا تجب، فكذلك العقيقة. كما استدلوا بحديث آخر يبين أن العقيقة على الاختيار، وليس على الوجوب، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-:

“من وُلِدَ لهُ ولدٌ فأحبَّ أن يَنسُكَ عنهُ فلينسُكْ”

وقد وردت أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب، حملها أصحاب هذا القول على الاستحباب.

الرأي الآخر: الإباحة

ذهب الحنفية إلى أن العقيقة ليست من باب الوجوب ولا الاستحباب، وإنما هي من باب المباحات. وقد استدلوا على ذلك بأحاديث منها ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما ولد له الحسن والحسين، حيث قال لزوجته فاطمة -رضي الله عنها-:

“أنَّ حسنَ بنَ عَلِيٍّ الأكبرَ حينَ وُلِدَ أرادتْ فاطمةُ أن تَعُقَّ عنه بِكَبْشَيْنِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا تَعُقِّي عنه ولكنِ احلِقِي رأسَهُ ثم تَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ منَ الوَرِقِ في سبيلِ اللهِ، ثم ولدتْ حُسَيْنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَنَعَتْ بِهِ مِثْلَ ذلِكَ.”

ووجه الدلالة أن الحديث فيه نهي عن العقيقة، وهذا النهي يناقض الوجوب والاستحباب، فتكون من باب الإباحة. وكذلك قول النبي عندما سئل عن العقيقة:

“لا يحبُّ اللَّهُ العقوق كأنَّهُ كرِهَ الاسمَ وقالَ من وُلِدَ لهُ ولدٌ فأحبَّ أن يَنسُكَ عنهُ فلينسُكْ عنِ الغلامِ شاتانِ مكافِئتانِ وعنِ الجاريةِ شاةٌ”

ووجه الدلالة منه أن الله لا يحب العقوق، فيدل على عدم استحبابها، والنبي علق فعل العقيقة على من أراد، فتكون قرينة من النبي بالإباحة.

حكم العقيقة عن الطفل المتوفى

هنا أيضاً، تعددت آراء الفقهاء حول ما إذا كان المولود قد توفي قبل اليوم السابع، أو في اليوم السابع قبل أن يُعقّ عنه، وذلك على النحو التالي:

إذا توفي قبل اليوم السابع

ذهب بعض العلماء إلى أنه يشرع لمن ولد له طفل ومات قبل اليوم السابع أن يعق عنه، لأن موته قبل ذلك لا يمنع من العق عنه، حيث أن الأدلة الشرعية الدالة على العقيقة في اليوم السابع لم يرد فيها ما يمنع منها.

في حالة الوفاة في اليوم السابع

هنا أيضاً تباينت آراء العلماء، وذلك على قولين:

  1. الاستحباب: وهو قول لبعض المالكية، وأحد قولي الشافعية، قياساً على قول الحنابلة بجواز العقيقة عمن مات قبل اليوم السابع لأنه نزل حياً، فيكون للميت في اليوم السابع نفس الحكم.
  2. عدم الجواز: وهو مذهب الإمام مالك، وقول عند الشافعية. والأفضل هو العق عنه لعموم الأدلة التي تدل على العقيقة، فلو مات شخص بعد اليوم السابع، فإنه يستحب العق عنه، وكذلك من مات في اليوم السابع وهو بداية وقت العقيقة.

عقيقة الشخص البالغ عن نفسه

الأصل في العقيقة أن يقوم بها الوالد عن ولده، ولا يطالب بها الأولاد ولا الأم. ولكن إذا لم يعق الوالد عن ولده، فهل يجوز للشخص أن يعق عن نفسه عندما يكبر؟ في هذا الأمر، أيضاً، تعددت آراء الفقهاء.

يرى بعض العلماء أنه لا يجوز للشخص أن يعق عن نفسه، بل هي مطلوبة من والده. وهو قول الحنابلة والمالكية. وقد سئل الإمام أحمد عن ذلك، فقال: على الوالد.

بينما يرى الشافعية أنه يستحب لمن علم أن أباه لم يعق عنه أن يعق عن نفسه، لما في ذلك من كسب الأجر، وتطبيق سنة النبي في العقيقة، ولما فيها أيضاً من دفع للمصائب، وتكفير للذنوب، ورفع للدرجات.

العقيقة قبل الولادة: هل تجوز؟

اتفق الفقهاء على عدم جواز ذبح العقيقة قبل وجود سببها وهو الولادة، فإن ذبحها قبل الولادة تكون شاة لحم، ولا تعتبر عقيقة.

تمييز العقيقة عن الأضحية

تتشابه العقيقة والأضحية في أمور كثيرة، إلا أنهما تختلفان في عدة نقاط، منها: أن من السنة طبخ العقيقة، وألا يكسر عظمها، وأن تهدى إلى المرأة التي تتولى مهمة إخراج المولود (القابلة) رجل العقيقة غير مطبوخة.

احتساب يوم الولادة ضمن الأيام السبعة

تعددت آراء الفقهاء في حساب يوم الولادة من الأيام السبعة، وذلك على قولين:

  1. القول الأول: لا يحسب اليوم الأول من الأيام السبعة إن جاء المولود في النهار بعد الفجر، وإن جاء قبل الفجر فإنه يحسب. وهو قول الإمام مالك، والمعتمد عند الشافعية.
  2. القول الثاني: يحسب يوم الولادة من ضمن الأيام السبعة. وهو قول الحنابلة، والأحوط عندهم ألا يحسب إن كانت ولادته ليلاً، ويحسب إن ولد نهاراً.

ذبح العقيقة خارج البلاد

يجوز ذبح العقيقة داخل البلد التي يكون فيها الطفل أو خارجها، ويجوز توزيع لحمها داخل البلد وخارجه. والأفضل أن يكون الذبح والتوزيع داخل البلد، وقيل إنها تذبح في البلد الذي يكون فيه المخاطب بالعقيقة؛ سواء أكان الوالد، أو غيره.

تأخير العقيقة: ما الحكم؟

تعدّدت أقوال الفقهاء في حكم تأخير العقيقة، فقيل يجب أن تكون في اليوم السابع، وقيل إنها مجزئة في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الواحد والعشرين، وقيل إنها تصح في أي وقت. وقد نقل عن الإمام النووي قوله: “مذهبنا أن العقيقة لا تفوت بتأخيرها عن اليوم السابع وبه قال جمهور العلماء منهم عائشة وعطاء وإسحاق”.

هل يجوز أن يعق شخص عن غيره؟

العقيقة عن المولود سنة مستحبة، والمخاطب بها قبل البلوغ هو من تلزمه نفقة المولود، وتجوز من الأم أو الجد. وإذا كان الوالد لا يملك المال وأراد شخص قريب له أن يتبرع بالعقيقة أو يهديها له، فيمكنه أن يقوم بهبة ثمن العقيقة للأب الذي يقوم بذبحها عن ابنه أو يوكل أحداً بذبحها.

الجمع بين نية العقيقة ونية أخرى

تعدّدت أقوال الفقهاء في جواز الجمع بين العقيقة والأضحية، فقال الشافعية والمالكية وفي رواية عن الإمام أحمد عدم جواز الجمع، وقال الحنفية وفي رواية ثانية عن الإمام أحمد بجواز الجمع بين العقيقة والأضحية، وبهذا قال الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة رحمهم الله، ودليلهم أن المقصود من ذبح كل من العقيقة والأضحية هو التقرب لله تعالى، فدخلت إحداهما في الأخرى، وجاز ذبح ذبيحة واحدة بنية العقيقة والأضحية معًا.

الخلاصة

العقيقة هي سنة مؤكدة، يستحب فعلها عند ولادة مولود جديد، وقد اختلف الفقهاء في تحديد حكمها الشرعي، وفي بعض المسائل المتعلقة بها. والأمر فيها واسع، فليعمل المسلم بما يراه أرجح من أقوال العلماء.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دروس من أقوال الخالدين: رؤى في الحياة والنجاح

المقال التالي

الرأي الشرعي في التداوي باستخدام الطاقة

مقالات مشابهة

التعارف قبل الزواج: أحكامه وضوابطه الشرعية

نظرة شاملة حول حكم التعارف قبل الزواج في الإسلام، بما في ذلك التعارف قبل الخطبة، والتحدث عبر الهاتف، وتبادل الأحاديث بين الجنسين، مع التركيز على الضوابط الشرعية الواجبة.
إقرأ المزيد