معاهدة المدينة: أساس الدولة الإسلامية الأولى

فهرس المحتويات

أهمية وثيقة المدينة المنورة: دستور الدولة الإسلامية الأول

شكّلت وثيقة المدينة، التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم، حجر الزاوية في تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. لقد رسمت هذه الوثيقة خارطة واضحة للعلاقة بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين اليهود وغيرهم من سكان المدينة المنورة آنذاك. وقد حددت بدقةٍ حقوق وواجبات كل طرف، مما أسس لنموذج فريد من التسامح والتعايش السلمي. [1]

جاءت بنود الوثيقة لتجسّد مبادئ الحرية والديمقراطية المبنية على المشاركة والتعاون بين جميع أفراد المجتمع، مع التأكيد على احترام الآخرين وقبولهم. وقد قامت الوثيقة على أساس العدل، وردّ الظلم عن المظلوم، وحفظ الحقوق لجميع السكان دون تمييز. [2] وبهذا، كانت الوثيقة بمثابة نموذج رائد في بناء الدول الحديثة، مستندة إلى مبادئ التسامح والعدل. [3]

إنّ هذه المعاهدة، التي وقّعها أشرف الخلق والمرسلين صلى الله عليه وسلم، كانت أول وثيقة تُبرم مع غير المسلمين، مُرسّخةً بذلك مفهوم المواطنة الذي يُحفظ كيان الدولة والمجتمع. [4] وقد استلهم الكثير من الباحثين والدراسين من هذه المعاهدة في دراسة منهج النبي الكريم في بناء الدساتير الدولية وتنظيم الدولة الإسلامية. [3]

أبرز شروط معاهدة المدينة

تضمنت معاهدة المدينة المنورة مجموعة من البنود التي نظّمت حياة الدولة الإسلامية الوليدة. ومن أبرز هذه البنود ما يلي: [5]

• المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أمة واحدة من دون الناس.
• هؤلاء المسلمون جميعاً على اختلاف قبائلهم يتعاقلون بينهم، ويفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
• المؤمنون لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه في فداءً أو عقل.
• المؤمنون المتقون، على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
• لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن.
• إن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
• ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس.
• لا يحل لمؤمن أقرّ بما في الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو أن يؤويه، وإنَّ من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة لا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
• اليهود ينفقون مع اليهود ما داموا محاربين.
• يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ -أي يهلك- إلا نفسه وأهل بيته.
• على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
• كل ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله -عز وجل- وإلى محمد رسول الله.
• من خرج من المدينة آمن ومن قعد آمن، إلا من ظلم وأثم.
• إنَّ الله على أصدق ما في الصحيفة وأبره، وإن الله جار لمن برّ واتقى.

دراسة متعمقة في معاهدة المدينة

تُظهر معاهدة المدينة المنورة جوانب متعددة من حكم النبي صلى الله عليه وسلم. فمن أهمّ ما يُستشفّ منها: [6]

• قيادة النبي صلى الله عليه وسلم للدولة الإسلامية الجديدة، ووجوب إذنه لليهود في الخوض في الحروب للحفاظ على سلامة المجتمع.
• خضوع اليهود للنظام العامّ للدولة، وتطبيق أحكام الوثيقة عليهم فيما يخصّ النظام العام، مع احتكامهم لأنفسهم في شؤونهم الخاصة إلاّ عند طلبهم حكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
• التعاون بين مختلف قبائل المدينة، من خلال حماية الضعفاء، ونصرة المظلومين، وفكّ أسر الأسرى، ونشر الفضيلة، ودفع الديات.
• التعاون العامّ بين جميع شرائح المجتمع على جلب الخير ودفع الشر، مع التأكيد على عدم نصرة اليهود للمشركين، ووجوب وحدة الولاء بين المسلمين واليهود لتحقيق الأمن القومي.

المبادئ والقيم الأساسية لمعاهدة المدينة

تتجلى في معاهدة المدينة مجموعة من المبادئ والقيم السامية، منها: [4]

• ضمان حرية الاعتقاد لجميع المواطنين.
• الحرص على حماية الملكية الخاصة واستقلال الذمم المالية.
• التعاون والتناصر في الدفاع عن الوطن في أوقات الحرب.
• العدل والإنصاف في التعامل مع جميع أفراد المجتمع.
• التعاون والتناصح للحفاظ على أمن الوطن واستقراره.
• توحيد المرجعية القضائية والقانونية وفقًا لشريعة الإسلام.
• كفالة حقوق غير المسلمين المقيمين في الدولة الإسلامية.

المصادر والمراجع

1. البوطي، رمضان. فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة.
2. الغضبان، منير. المنهج الحركي للسيرة النبوية/ الجزء 2.
3. العمري، أكرم. السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية.
4. السرجاني، طراغب. “ما هي وثيقة المدينة أو معاهدة المدينة التي كانت بين الرسول واليهود؟” قصة إسلام, 5/3/2014.
5. البوطي، رمضان. فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة.
6. أبو زهرة، محمد. خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم/ الجزء 2.