دراسة في قصيدة “بعد البين” لمعروف الرصافي

دراسة تحليلية لقصيدة ‘بعد البين’ للشاعر معروف الرصافي. تحليل لغوي وفني وإيقاعي للقصيدة الشهيرة.

نظرة عامة على القصيدة

تعتبر قصيدة “بعد البين” للشاعر العراقي معروف الرصافي من القصائد التي تعكس تجربة شخصية عميقة ممزوجة بمشاعر الحنين والأسى. تعبر القصيدة عن غربة الشاعر وشوقه لوطنه بغداد، وتناوله لمشاعر الفراق والبعد عن الأهل والأحبة. تتضمن القصيدة مجموعة من الصور الشعرية المؤثرة التي تبرز مهارة الرصافي في التصوير والتعبير عن المشاعر الإنسانية.

القصيدة مرآة تعكس معاناة الشاعر من الوحدة والغربة، وتفصح عن حبه العميق لوطنه الذي تركه مضطراً. يصف الشاعر في أبياته مشاعر الحزن واللوعة التي تملأ قلبه، ويعبر عن ألمه لفقدان الأصدقاء والأحبة. كما تتضمن القصيدة إشارات إلى الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، والتي أثرت على حياة الشاعر ومسيرته.

تفسير الأبعاد الدلالية

تتضمن قصيدة “بعد البين” مجموعة من الأفكار والمشاعر التي يمكن تحليلها وتفسيرها. يعبر الشاعر عن حزنه العميق لفراق وطنه وأحبابه، ويصف تجربته في الغربة كأنها منفى قسري. يظهر في القصيدة أيضاً إحساس بالمرارة تجاه الظروف التي أدت إلى ابتعاده عن وطنه، وتوق شديد للعودة إليه.

يقول معروف الرصافي في قصيدته:

لقد طَوَّحَتْني في البلاد مُضاعا
طوائح جاءت بالخطوبِ تباعا
فبارحت أرضاً ما ملأت حقائبي
سوى حبّها عند البَراح متاعا
اعتَبْت على بغداد عَتْب مُوَدِّع
أمَضَّتْه فيها الحادثاتِ قراعا
أضاعَتْنيَ الأيام فيها ولو دَرَتْ
لعزّ عليها أن أكون مُضاعا
لقد أرضعتني كل خسف وأننيلأشكرها أن لم تُتمَّ رَضاعا
وما أنا بالجاني عليها وإنمانهضت خصاما دونها ودفاعا
وأعلمت أقلامي بها عربيّةًفلم تُبدِ اصغاءً لها وسَماعاول كنت أدري أنها أعجميّةتَخِذت بها السيف الجُراز يراعا
ولو شئت كايَلْت الذين انطَوَوا بهاعلى الحِقد صاعاً بالعِداء فصاعا
ولكن هي النفس التي قد أبَتْ لهاطباع المعالي أن تَسُوء طباعا
أبَيْت عليهم أن أكون بذِلّةٍوتأبى الضَواري أن تكون ضباعاعلى أنني دارَيْت ما شاء حقدهمفلم يُجْدِ نفعاً ما أتَيْت وضاعاوأشقَى الورى نفساً وأضيعهم نُهىًلبيبٌ يداري في نُهاه رَعاعاتركت منِ الشعر المديح لأهلهونزّهت شعري أن يكونِ قذاعاوأنشدته يجلو الحقيقة بالنُهَىويكشِف عن وجه الصوابِ قناعاترفّع الشاعر عن مديح الأشخاص الذين لا يستحقّون، وهو الذي آلى على نفسه ألّا يقول يراعه سوى الحقّ من الكلام، وترفّعه عن الرذائل من الطباع والأحقاد وغيرها من الأمور.وأرسلته عفواً فجاء كما ترىقَوافيَ تَجتْاب البلادِ سراعاوقفت غداة البَيْن في الكرخ وقفةًلها كَرَبت نفسي تطير شَعاعاأوَدّع أصحابي وهم مُحدِقون بيوقدِ ضقت بالبين المُشِتّ ذراعاأودّعهم في الكرخ والطرف مرسِلإلى الجانب الشَرقيّ منه شُعاعاوأدعَم رأسي بالأصابع مُطرِقاًكأنّ برأسي يا أميمُّ صداعاوكنت أظنّ البين سهلاً فمذ أتىشَرَى البين مني ما أراد وباعاوإنّي جبان في فراق أحِبّتيوإن كنت في غير الفراق شجاعاعدم قُدرة الشاعر على تحمُّل البَين والفراق وألمه وابتعاده عن الأحبّة وقد وقف مع الذين يرغبهم في الكرخ تلك الوقفة الأخيرة لكنّه الألم كان أكبر منه.كأنّي وقد جَدَّ الفراق سفينةٌأشالت على الريح الهَجومِ شراعافمالت بها الأرواح والبحر مائجوقد أوشكت ألواحها تتداعىفتحسبني من هزّة فيّ أفْدَعاًترقَّى هضاباَ زُلزلت وتِلاعافما أنا إلاّ قومة وأنحناءةوسِرٌّ إذاعته الدموع فَذاعارعى اللّه قوماً بالرُصافة كلماتذكَّرتهم زاد الفؤاد نزاعاأبيت وما أقوى الهموم بمَضجَعتُصارعني فيه الهمومِ صراعاوألْهو بذكراهم على السير كلماهبَطتِ وهاداً أو علوت يَفاعاهم القوم أما الصبر عنهم فقد عصىوأما أشتياقي نحوَهم فأطاعا

في هذه الأبيات، يعبر الشاعر عن تجربته الشخصية ومعاناته من الغربة والبعد عن الوطن والأحبة. تتجلى في القصيدة مشاعر الحنين والاشتياق، بالإضافة إلى الإحساس بالوحدة والعزلة. كما تتضمن القصيدة إشارات إلى الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، والتي أثرت على حياة الشاعر ومسيرته.

الجماليات الفنية في القصيدة

تتميز قصيدة “بعد البين” بأسلوبها الفني الرفيع واستخدامها المتقن للصور الشعرية. يعتمد الشاعر على الاستعارات والتشبيهات لإضفاء جمالية خاصة على القصيدة، وللتعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة مؤثرة. تتضمن القصيدة أيضاً مجموعة من المحسنات البديعية التي تزيد من رونقها وجمالها.

على سبيل المثال، يستخدم الشاعر الاستعارة في قوله: “أضاعَتْنيَ الأيام فيها”، حيث يشبه الأيام بالإنسان الذي يضيع شيئاً ما. كما يستخدم التشبيه في قوله: “كأنّي وقد جَدَّ الفراق سفينةٌ”، حيث يشبه نفسه بالسفينة التي تواجه صعوبات في البحر. هذه الصور الشعرية تضفي على القصيدة جمالية خاصة وتجعلها أكثر تأثيراً في القارئ.

وقد وظف الشاعر بعض الجماليات في القصيدة، منها:

  • “ما ملأت حقائبي سوى حبّها”: هنا نجد أن الشاعر قد شبه الحب بشيء مادي يملأ الحقيبة، وهي استعارة مكنية حيث حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
  • “أضاعَتْنيَ الأيام فيها”: استعارة مكنية حيث شبه الأيام بشخص يضيع، وحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
  • “تركت منِ الشعر المديح لأهله”: استعارة مكنية حيث شبه الشعر بشيء مادي يترك منه جزء.

دراسة الوزن والقافية

تعتمد قصيدة “بعد البين” على بحر الطويل، وهو أحد البحور الشعرية العربية الفصيحة. يتميز هذا البحر بتفعيلاته الطويلة التي تمنح الشاعر مساحة واسعة للتعبير عن أفكاره ومشاعره. تتكون تفعيلة بحر الطويل من: “فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن”.

وقد بدأ الشاعر القصيدة بكلمة “لقد” للتأكيد على المعاني التي ستورد في القصيدة، وأهميتها وثباتها عنده. وقد تكرر حرف العين في القصيدة تكرارًا واسعًا بسبب الغصّة التي يعانيها الشاعر.

مصادر ومراجع

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة في شعر المتنبي: قصيدة ‘أنا من نظر الأعمى إلى أدبي’

المقال التالي

نظرة في قصيدة تحية الشام لحافظ إبراهيم

مقالات مشابهة