نبذة مختصرة عن حياة الشاعر
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الكندي، المعروف بـ “المتنبي”، ولد في الكوفة عام 303 هـ. يعتبر المتنبي من أعظم شعراء اللغة العربية، وقد اشتهر في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) بشعره الذي يعكس مشاعر الإنسان من حزن وفخر واعتزاز بالنفس. وصلت أشعاره إلى كل مكان وزمان، لامست قلوب العرب أجمعين.
عاش المتنبي في فترة زمنية مليئة بالاضطرابات، وعانى من بعض الأحداث المؤلمة في حياته، مما انعكس على شعره. لم يكن والده شخصية مرموقة، وتوفيت والدته في طفولته، وتربى على يد جدته التي أثرت وفاتها فيه. أما سبب تسميته بالمتنبي، فيُقال أنه بسبب أبيات شعر نسب إليه ادعاء النبوة، مما أدى إلى سجنه عام 322 هـ. عرف أيضاً بمدحه للأمراء، وعلى رأسهم سيف الدولة الحمداني. وتوفي مقتولاً انتقاماً لهجائه رجلاً يدعى “ضبة”، حيث قُتل ابنه المحسد وكل من كان معه من خدم ومرافقين في ذلك اليوم.
كيف كانت العلاقة بين المتنبي وسيف الدولة؟
كانت معرفة المتنبي بسيف الدولة سابقة للقائه به، فقد سمع الكثير عن فضائله ومحاسنه التي وصلت إلى خارج حلب. تعرف إليه عن طريق أبي العشائر (ابن عم سيف الدولة ووالي أنطاكية)، وعرض عليه المتنبي أن يمدحه في شعره، فرحب سيف الدولة به وضمه إلى بلاطه. أصبح المتنبي من المقربين لسيف الدولة، وشاركه غزواته وحروبه، ودافع عنه ضد أعدائه.
تمكن المتنبي من الحصول على مكانة مرموقة في بلاط الأمير، مما أثار غيرة وحسد بعض الجالسين معه، وكثر كارهوه والحاقدين عليه. حاول بعض الحساد، وعلى رأسهم الشاعر أبو فراس الحمداني، إفساد العلاقة بينهما، ونجحوا في ذلك، مما أدى إلى فتور وجفاء لم يطل بعده بقاء المتنبي في البلاط. اختلق المتنبي مشاجرة في البلاط، ولم ينصره سيف الدولة، مما اعتبره المتنبي خذلاناً وإهانة، فغادر إلى مصر غير متحمس لتلبية عرض أبي المسك كافور. صار المتنبي مقرباً من كافور وأصبح مديحه خاصاً به، وكان المتنبي يسعى بذلك للحصول على ولاية عسكرية في صيدا، إلا أن ذلك لم يتحقق، فقرر مغادرة مصر وعاد إلى الكوفة مسقط رأسه، ثم انتقل إلى بغداد. ويبدو أنه كان يحن إلى سيف الدولة، لكنه تخلى عن هذه الفكرة خاصة بعد النكسات العسكرية التي لحقت بالأمير في حروبه ضد البيزنطيين.
أمثلة من شعر المتنبي في مدح الأمير
من أشهر القصائد التي قالها المتنبي في مدح سيف الدولة قصيدة “على قدر أهل العزم” التي يقول فيها:
عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ
وَتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ
وَتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها
وَتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ
يُكـلّفُ سَـيفُ الدَولَـةِ الجَـيشَ هَمّـهُ
وَقـد عَجَـزَتْ عنـهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه
وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
وقد استمر المتنبي في مدح سيف الدولة، متحدثاً عن “الحدث” (وهي قلعة بناها سيف الدولة في أرض الروم وسميت بالحمراء لأنها تلونت بدماء الروم)، فقال:
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها
وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا
وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
ويستمر المتنبي في بيان مدى شجاعة سيف الدولة في القتال، فيقول:
وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ
كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً
تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ
وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا
مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ
ما الأسباب التي ساهمت في ازدهار الشعر في مجلس سيف الدولة؟
كان لبلاط سيف الدولة دور هام في تطور الشعر والأدب، وذلك للأسباب التالية:
- شخصية الأمير: ينتمي سيف الدولة إلى أسرة عريقة، وقد اشتهر بشجاعته وقدرته على قيادة الجيوش وبطولاته في الحروب ضد الروم، وحماية المقدسات والثغور العربية في فترة ضعف الخلافة العباسية، فكان يمثل عز العرب والمسلمين.
- طبيعة حلب: تميزت حلب بجمال طبيعتها، مما جعل الشعراء يتنافسون في وصفها في أشعارهم، ووفر الأمير بيئة مناسبة للفنون ببنائه قصر الحلبة الذي يعتبر من أجمل القصور.
- ثقافة سيف الدولة: نشأ سيف الدولة في أسرة غنية، مما وفر له فرص التعليم والثقافة، فتتلمذ على يد أبرز الأساتذة، وظهر ذلك في أحاديثه وتصرفاته وأفكاره، ورغب في أن تكون حلب مركزاً للعلماء والأدباء والشعراء، لتزدهر فيها العلوم والأدب.
- كرم الأمير: كان كرم سيف الدولة من أهم الأسباب في جذب الشعراء والأدباء من جميع الأنحاء، حيث كانوا يجتهدون في أعمالهم لنيل إعجاب الأمير وهداياه، ولم تقتصر عطاياه على المشهورين بل شملت أيضاً غير المعروفين.
- روح المنافسة: كان لدى سيف الدولة القدرة على إثارة روح المنافسة بين الشعراء، وتشجيعهم بالعطاء، فكان أحياناً يقول بيتاً من الشعر ويطلب منهم إجازته.
قائمة المراجع
- “أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي”،elibrary.mediu.edu.my، تم الاطلاع عليه بتاريخ 14-9-2018. بتصرّف.
- أبريجي بلاشير (19-12-2013)،”المتنبي في دراسات المستشرقين – حياة أبي الطيب المتنبي وشعره”،المورد، صفحة 46، 47. بتصرّف.
- عبدالرحمن البرقوقي،شرح ديوان المتنبي، بيروت- لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 94-104، الجزء الرابع.
- إحسان سليمان (1430هـ – 2009م)،شعراء ومفكرون حول سيف الدولة الحمداني، صفحة 18، 19، 20، 21، 23، 26. بتصرّف.